أحد الطرفين على الآخر إلا لمرجح، فمن (1) الناس من قال: المراد هنا المعنى الثاني لان اللائق بالدابة ليس له إلا هذا السجود، ومنهم من قال: المراد هو المعنى الأول لأنه اللائق بالملائكة، ومنهم من قال: هو لفظ مشترك وحمل المشترك على معنييه جائز وهو ضعيف (2).
وقال في قوله تعالى: " ألم يروا إلى الطير " هذا دليل آخر على كمال قدرة الله تعالى وحكمته، فإنه لولا أنه تعالى خلق الطير خلقة معها يمكنه الطيران، و خلق الجو خلقة معها يمكن الطيران فيها (3) لما أمكن ذلك، فإنه تعالى أعطى الطير جناحا يبسطه مرة ويكسره أخرى، مثل ما يعمل السابح في الماء، وخلق الهواء خلقة لطيفة رقيقة يسهل خرقه (4) والنفاذ فيه، ولولا ذلك لما كان الطيران ممكنا، " ما يمسكهن إلا الله " المعنى أن جسد الطير جسم ثقيل، والجسم الثقيل يمتنع بقاؤه في الجو معلقا من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه، فوجب أن يكون الممسك له في ذلك الجو هو الله تعالى، قال القاضي: إنما أضاف الله تعالى هذا الامساك إلى نفسه لأنه تعالى هو الذي أعطى الآلات التي لأجلها يتمكن الطير من تلك الأفعال، فلما كان تعالى هو السبب لذلك لاجرم صحت الإضافة انتهى (5).
قوله تعالى: " والطير " أي والطير أيضا تسبح، وقد مر أن تسبيحها إما محمول على الحقيقة بناء على شعورها، أو جعلها الله في هذا الوقت ذات شعور معجزة لداود عليه السلام، أو تسبيحها بلسان الحال، كما مر في تسبيح الجمادات، أو هو من السباحة قال الرازي: وأما الطير فلا امتناع في أن يصدر عنها الكلام، ولكن أجمعت الأمة على