بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ١٥٠
يعني النبوة بين الخلق، ثم قال: " نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا " أي نحن قسمنا الرزق في المعيشة على حسب ما علمنا من مصالح عبادنا، فليس لأحد أن يتحكم في شئ من ذلك، فكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق فكذلك اصطفينا للرسالة من شئنا " ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات " أي أفقرنا البعض وأغنينا البعض ولم نفوض ذلك إليهم مع قلة خطره فكيف نفوض اختيار النبوة إليهم مع عظم محلها وشرف قدرها؟ " ليتخذ بعضهم بعضا سخريا " معناه أن الوجه في اختلاف الرزق بين العباد في الضيق والسعة زيادة على ما فيه من المصلحة أن في ذلك تسخيرا من بعض العباد لبعض بإحواجهم إليهم، ليستخدم بعضهم بعضا فينتفع أحدهم بعمل الآخر له فينتظم بذلك قوام أمر العالم، وقيل: معناه: ليملك بعضهم بعضا بمالهم فيتخذونهم عبيدا و مماليك " ورحمة ربك خير مما يجمعون " أي الثواب، أو الجنة، أو النبوة. (1) " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " أي فإما نتوفينك فإنا منتقمون من أمتك بعدك " أو نرينك الذي وعدناهم " أي في حياتك ما وعدناهم من العذاب " فإنا عليهم مقتدرون أي قادرون على الانتقام منهم وعقوبتهم في حياتك وبعد وفاتك، قال الحسن وقتادة: إن الله أكرم نبيه بأن لم يره تلك النقمة ولم ير في أمته إلا ما قرت به عينه، وقد كان بعده نقمة شديدة.
وقد روي أنه صلى الله عليه وآله أري ما يلقى أمته بعده فما زال منقبضا ولم ينبسط ضاحكا حتى لقى الله تعالى.
وروى جابر بن عبد الله الأنصاري قال: إني لأدناهم من رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بمنى قال: لا ألفينكم ترجعون بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وأيم الله لئن فعلتموها لتعرفنني في الكتيبة (2) التي تضاربكم، ثم التفت إلى خلفه فقال: أو علي أو علي ثلاث مرات، فرأينا أن جبرئيل عليه السلام غمزه فأنزل الله تعالى على أثر ذلك " فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون " بعلي بن أبي طالب عليه السلام.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله أري الانتقام منهم، وهو ما كان من نقمة الله من

(1) مجمع البيان 9: 46. (2) الكتيبة: القطعة من الجيش.
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»
الفهرست