بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ١٣٣
ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون، حرصا على كثرة طاعاتهم، فوجدها كبيوت الزنابير لما سمع من دندنتهم بذكر الله والتلاوة، أو تصرفك فيما بين المصلين بالقيام والركوع والسجود والقعود إذا أممتهم " تنزل على كل أفاك أثيم " لما بين أن القرآن لا يصح أن يكون مما تنزلت به الشياطين أكد ذلك بأن بين أن محمدا لا يصلح أن يتنزلوا عليه من وجهين: أحدهما: أنه إنما يكون على شرير كذاب كثير الاثم، فإن اتصال الانسان بالغائبات لما بينهما من التناسب والتواد، وحال محمد - صلى الله عليه وآله - على خلاف ذلك.
وثانيهما: قوله: " يلقون السمع " أي الأفاكون يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون منهم ظنونا وأمارات لنقصان علمهم، فيضمون إليها على حسب تخيلاتهم أشياء لا يطابق أكثرها، ولا كذلك محمد صلى الله عليه وآله فإنه أخبر عن مغيبات كثيرة لا تحصى، وقد طابق كلها، وقد فسر الأكثر بالكل لقوله: " على كل أفاك " والأظهر أن الأكثرية باعتبار أقوالهم على معنى أن هؤلاء قل من يصدق منهم فيما يحكي عن الجني، وقيل:
الضمائر للشياطين، أي يلقون السمع إلى الملا الاعلى قبل أن رجموا فيخطفون منهم بعض المغيبات ويوحون به إلى أوليائهم، أو يلقون مسموعهم منهم إلى أوليائهم. (1) وفي قوله: " بل هم قوم يعدلون " أي عن الحق الذي هو التوحيد. (2) وفي قوله " لولا أن تصيبهم مصيبة " لولا الأولى امتناعية، والثاني تحضيضية، والمعنى:
لولا قولهم إذا أصابتهم عقوبة بسبب كفرهم ومعاصيهم: ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا يبلغنا آياتك فنتبعها ونكون من المصدقين ما أرسلناك " هو أهدى منهما " أي مما انزل على موسى وعلي " ولقد وصلنا لهم القول " أتبعنا بعضه بعضا في الانزال ليتصل التذكير، أو في النظم ليتقرر الدعوة بالحجة والمواعظ بالمواعيد والنصائح بالعبر. (3) وفي قوله: " جعل فتنة الناس " أي ما يصيبهم من أذيتهم في الصرف عن الايمان " كعذاب الله " في الصرف عن الكفر " ولئن جاء نصر من ربك " فتح وغنيمة " ليقولن إنا كنا معكم " في الدين فأشركونا فيه، والمراد المنافقون، أو قوم ضعف إيمانهم فارتدوا من

(1) أنوار التنزيل 2: 188 - 190.
(2) أنوار التنزيل: 203.
(3) أنوار التنزيل: 218 و 219.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست