بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٧٠
ولو لم يكن هواء يؤدي الصوت إلى السمع لم يكن السمع يدرك الصوت، فهل يخفى على من صح نظره وأعمل فكره أن مثل هذا الذي وصفت من تهيئة الحواس والمحسوسات بعضها يلقي بعضا وتهيئة أشياء آخربها تتم الحواس لا يكون إلا بعمد وتقدير من لطيف خبير؟.
بيان: قوله عليه السلام: بعضها يلقي بعضا حال أو صفة بتأويل أو تقدير.
فكريا مفضل فيمن عدم البصر من الناس وما يناله من الخلل في أموره، فإنه لا يعرف موضع قدمه، ولا يبصر ما بين يديه، فلا يفرق بين الألوان، وبين المنظر الحسن والقبيح، ولا يرى حفرة إن هجم عليها (1) ولا عدوا إن أهوى إليه بسيف، ولا يكون له سبيل إلى أن يعمل شيئا من هذه الصناعات مثل الكتابة والتجارة والصياغة حتى أنه لولا نفاذ ذهنه لكان بمنزلة الحجر الملقى، وكذلك من عدم السمع يختل في أمور كثيرة فإنه يفقد روح المخاطبة والمحاورة، ويعدم لذة الأصوات واللحون بالشجية المطربة، ويعظم المؤونة على الناس في محاورته، حتى يتبر موابه (2) ولا يسمع شيئا من أخبار الناس وأحاديثهم، حتى يكون كالغائب وهو شاهد، أو كالميت وهو حي، فأما من عدم العقل فإنه يلحق بمنزلة البهائم بل يجهل كثيرا مما يهتدي إليه البهائم، أفلا ترى كيف صارت الجوارح والعقل وسائر الخلال (3) التي بها صلاح الانسان والتي لو فقد منها شيئا لعظم ما يناله في ذلك من الخلل يوافي خلقة على التمام حتى لا يفقد شيئا منها، فلم كان كذلك إلا لأنه خلق بعلم وتقدير؟. (4) بيان: روح المخاطبة بالفتح أي راحتها ولذتها. والشجو: الحزن. ولا يتوهم جواز الاستدلال به على عدم حرمة الغناء مطلقا لاحتمال أن يكون المراد الافراد المحللة منها كما ذكرها الأصحاب، وسيأتي ذكرها في بابه، أو يكون فائدة إدراك تلك اللذة عظم الثواب في تركها لوجهه تعالى. وقوله عليه السلام: يوافي خلقة، خبر صارت.
قال المفضل: فقلت: فلم صار بعض الناس يفقد شيئا من هذه الجوارح فيناله في

(1) أي انتهى إليها بغتة على غفلة منه.
(2) أي حتى يملوا ويضجروا به.
(3) جمع الخلة وهي الخصلة.
(4) وفي نسخة: إلا لأنه خلق بعلم وبقدر.
(٧٠)
مفاتيح البحث: الشهادة (1)، الحزن (1)، الجهل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309