بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٨
للظلمة يحتمل أن يكون كناية عن عدم استقلاله في التدبير ومعارضة أهرمن له في كثير مما يريده. وقد استدل عليه السلام على بطلان مذهبهم بوجوه:
الأول: أن لا يكون الناس قادرين على ترك الشرور والمساوي والمعاصي لأنها من فعل الجسد الذي هو الظلمة، ولا يتأتى منه الخير، ولا يستحق أحد الملازمة على الشر، لكونه مجبورا عليه، وقد نراهم يلومون الناس على الشرور والمساوي، فهذا دليل على بطلان مذهبهم.
الثاني: أنهم يستحسنون التضرع إلى الرب تعالى وعبادته والاستعانة به، و أمثال تلك الأعمال فعل الروح الذي هو الرب بزعمهم فكيف يعبد نفسه ويستعين بنفسه ويتضرع إليها؟ وإن قالوا: إنه يتضرع إلى الظلمة فكيف يليق بالرب أن يستعيذ بغيره؟.
الثالث: أنه يلزم أن لا يجوز أن يقول أحد لاحد: أحسنت ولا أسأت، وهذا باطل اتفاقا وبديهة، وأما بيان الملازمة فلان الحاكم بذلك إما النور أو الظلمة، إذ المفروض أنه لا شئ غيرهما. وكلاهما باطلان: أما الأول فلان الظاهر من هذا الكلام المغايرة بين المادح والممدوح والمفروض اتحادهما، ويحتمل أن يكون هذا منبها على ما يحكم به العقل بديهة من المغايرة بين الأشخاص، مع أنهم يقولون: بأن أرواح جميع الخلق شخص واحد هو النور وهو الرب تعالى، وهذا قريب من الوحدة التي قالت به الصوفية. وأما الثاني فلان الظلمة فعلها الإساءة وتعدها حسنة، فكيف تحكم بقبحها؟.
ويمكن تقرير الملازمة بوجه آخر بأن يقال: ظاهر أن التحسين والتشنيع من فعل النور، ولا يتصور منه شئ منهما لان المخاطب في " أسأت " هو الظلمة وهو مجبور على فعل القبيح بزعمهم فلا يستحق اللوم، وهو المراد بقوله: وذلك فعلها، والمخاطب في " أحسنت " هو النور لان الحسن فعله فيتحد المادح والممدوح.
الرابع: أنهم يحكمون بأن النور هو الرب تعالى، ويجب على هذا أن يكون أقوى وأحكم وأتقن من الظلمة التي هي مخلوقة، ويلزمهم بمقتضى أقوالهم الفاسدة
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309