بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٥٣
ولعمري لو تفكروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب البين، ولطف التدبير الظاهر، ووجود الأشياء مخلوقة بعد أن لم تكن، ثم تحولها من طبيعة إلى طبيعة، وصنيعة بعد صنيعة، ما يدلهم ذلك على الصانع فإنه لا يخلو شئ منها من أن يكون فيه أثر تدبير وتركيب يدل على أن له خالقا مدبرا، وتأليف بتدبير يهدي إلى واحد حكيم.
وقد وافاني كتابك ورسمت لك كتابا كنت نازعت فيه بعض أهل الأديان من أهل الانكار، وذلك أنه كان يحضرني طبيب من بلاد الهند، وكان لا يزال ينازعني في رأيه، ويجادلني على ضلالته، فبينا هو يوما يدق إهليلجة ليخلطها دواءا احتجت (1) إليه من أدويته، إذ عرض له شئ من كلامه الذي لم يزل ينازعني فيه من ادعائه أن الدنيا لم تزل ولا تزال شجرة تنبت وأخرى تسقط، نفس تولد وأخرى تتلف، وزعم أن انتحالي المعرفة لله تعالى دعوى لا بينة لي عليها، ولا حجة لي فيها، وأن ذلك أمر أخذه الآخر عن الأول، والأصغر عن الأكبر، وأن الأشياء المختلفة والمؤتلفة والباطنة والظاهرة إنما تعرف بالحواس الخمس: نظر العين، وسمع الاذن، وشم الانف، وذوق الفم، ولمس الجوارح، ثم قاد (2) منطقه على الأصل الذي وضعه فقال: لم يقع شئ من حواسي على خالق يؤدي إلى قلبي، إنكار الله تعالى.
ثم قال: أخبرني بم تحتج في معرفة ربك الذي تصف قدرته وربوبيته، و إنما يعرف القلب الأشياء كلها بالدلالات الخمس التي وصفت لك؟ قلت: بالعقل الذي في قلبي، والدليل الذي أحتج به في معرفته.
قال: فأنى يكون ما تقول وأنت تعرف أن القلب لا يعرف شيئا بغير الحواس الخمس؟ فهل عاينت ربك ببصر، أو سمعت صوته بأذن، أو شممته بنسيم، أو ذقته بفم، أو مسسته بيد فأدى ذلك المعرفة إلى قلبك؟ قلت: أرأيت إذ أنكرت الله وجحدته (3)

(1) وفي نسخة: احتاج.
(2) قاد الدابة: مشى أمامها آخذا بقيادها.
(3) وفي نسخة: إذا أنكرت الله وجحدته.
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309