تمويه وتلبيس، يري الساحر أنه حقيقة، ويخفي وجه الحيلة فيه، فهو يري أنه يذبح الحيوان ثم يحييه بعد الذبح، وهو لا يذبحه بل لخفة حركات اليد يري ولا يفعل.
فمن لم يعلم أن المعجزة جنس، وأن المخرقة والشعوذة من غير (1) ذلك الجنس لم يعلمها معجزة.
فصل ثم اعلم أن بين المعجزة، والمخرقة، والشعوذة، والحيل التي تبقي فروقا توصل إلى العلم بها، بالنظر والاستدلال في ذلك، بأن يعرف أولا (2) ما يصح أن يكون مقدورا للبشر، وما لا يصح، وأن يعلم بمقتضى (3) العادة كيف جرت في مقدورات البشر، وعلى أي وجه تقع أفعاله، وأن ما يصح أن يقدر عليه من أي نوع يجب أن يكون، وكيف يكون حالهم إذا خرجوا من المقدرة عليه. وهل يصح أن يعجز البشر عما لا يصح أن يقدروا عليه، وينظر فيما يمكن أن يتوصل إليه بحيلة وخفة ويعلم السبب المؤدي إليه، وما لا يمكن ذلك فيه.
فإذا أحاط علمه بهذه المقدورات عرف حينئذ ما يظهر من المعجزة عليهم، ففصل بين حالها وبين ما يجري مجرى الشعوذة والمخرقة، كالعجل الذي صاغه السامري من ذهب لبس به على الناس، وكان له صوت وخوار، إذ احتال إلى إدخال الريح فيه من مداخله ومجاريه، كما تعمل هذه الآلات التي تصوت بالحيل، أو صندوق الساعات، أو طاس المفصد (4) الذي تعلم به مقادير الدم.
وإنما أضاف الله تعالى الصوت إليه لأنه كان محله عند دخول الريح فيه (5).