كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢٩٩
بطل قولكم في الاجتهاد وهذا ما لا شبهه فيه على عاقل فاعترض رجل آخر في ناحية المجلس فقال ليس الغرض في المناظرة الدعوة إلى الاتفاق وإنما الغرض فيها إقامة الغرض من الاجتهاد فقال له الشيخ رضي الله عنه هذا الكلام كلام صاحبك هذا بعينه في معناه وأنتما جميعا حائدان عن التحقيق والصواب وذلك أنه لابد في فرض الاجتهاد من غرض ولا بد لفعل النظر من معقول فإن كان الغرض في أداء الفرض بالاجتهاد البيان عن موضع الرجحان فهو الدعاء في المعقول إلى الوفاق والايناس بالحجة إلى المقال وإن كان الغرض فيه التعمية والألغاز فذلك محال لوجود المناظر مجتهدا في البيان والتحسين لمقاله بالترجيح له على قول خصمه في الصواب وإن كان معقول فعل النظر ومفهوم غرض صاحبه الذب عن نحلته والتنفير عن خلافها والتحسين لها والتقبيح لضدها والترجيح لها على غيرها وكنا نعلم ضرورة ان فاعل ذلك لا يفعله للتبعيد من قوله وإنما يفعله للتقريب منه والدعاء إليه فقد ثبت بما قلناه ولو كان الدال على قوله الموضح بالحجج عن صوابه المجتهد في تحسينه وتشييده غير قاصد بذلك إلى الدعاء إليه ولا مزيد للاتفاق عليه لكان المقبح للمذهب الكاشف عن عواره الموضح عن ضعفه ووهنه داعيا بذلك إلى اعتقاده ومرغبا به إلى المصير إليه ولو كان كذلك لكان الزام الشئ مدحا له والمدح له ذما له والترغيب في الشئ ترهيبا عنه والترهيب عن الشئ ترغيبا فيه والامر به نهيا عنه والنهي عنه أمرا به والتحذير منه ايناسا به وهذا ما لا يذهب إليه سليم فبطل بذلك ما توهمتموه ووضح ما ذكرناه في تناقض نحلتهم على ما بيناه والله نسئل التوفيق (قال) شيخنا رضي الله عنه ثم عدلت إلى صاحب المجلس فقلت له لو سلم هؤلاء القوم من المناقضة التي ذكرناها ولن يسلموا ابدا منها بما بيناه لما سلموا من الخلاف على الله فيما أمر به والرد للنص في كتابه والخروج عن مفهوم احكامه بما ذهبوا إليه من حسن الاختلاف وجوازه في الاحكام قال الله عز وجل * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعدما جائهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) * آل عمران فنهى الله تعالى نهيا عاما ظاهرا وحذر منه وزجر عنه وتوعد على فعله بالعقاب وهذا مناف لجواز عن الاختلاف وقال سبحانه * (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) * آل عمران فنهى عن التفرق وأمر الكافة بالاجتماع وهذا في ابطال قول مسوغ الاختلاف وقال سبحانه * (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) * هود فاستثنى المرحومين من المختلفين
(٢٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 304 » »»