كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ٢٤٦
والاخبار قد تناصرت في قوم عمروا في قريب الزمان سوف أذكر جماعة منهم ليتأكد البيان وليس مع المنازعة لنا بعد ذلك من ذي بصيرة وعرفان فإن قال قائل ان الأعمار قد كانت تتطاول في سالف الدهر ثم تناقصت عصرا بعد عصر حتى انتهت إلى ما نراه مما لا يجوز اليوم سواه قيل له ان العاقل يعلم أن الزمان لا تأثير له في الأعمار وان زيادتها ونقصانها من فعل قادر مختار يغيرها في الأوقات بحسب مما يراه من الصلاح ولسنا ننكر ان الله سبحانه قد اجرى العادة اليوم بأقدار متقاربة في الأعمار يخالف ما كان في متقدم الزمان غير أن هذا لا يحيل طول عمر بعض الناس إذا كان ممكنا من القادر المعطي للأعمار وقد ذكرنا ان الاخبار قد أتت بذكر المعمرين كانوا في قريب الزمان فلا طريق إلى دفع ما ذكرناه مع هذا الايضاح واما الذين استعاروا كلام الفلاسفة من المخالفين لنا في هذه المسألة وقولهم في العمر من المستحيل في العقول فإنهم لم يعولوا في العلم بذلك على ضرورة يشاركهم العقلاء فيها وإذا عدموا الضرورة فلا بد من حجة عقلية يطالبون بايرادها ولا حجة معهم ينطقون بها ولا عمدة لهم أكثر من الهوى والرجوع إلى ما يشاهد ويرى والهوى مضله والانكار لما لم يشاهد مزلة وليس من موحد ولا ملحد إلا وهو يثبت ما لا يرى ويقر بما لم يشاهد فالموحد يقر بالله تعالى والملائكة وطول اعمارها ولم نر شيئا منها ما تعترف بالحق أيضا والملحدة قد تقر بوجود جواهر بسيطة لا تجوز عليها الرؤية وتدعى أيضا وجود عقل تغيير كليين لم نرهما ولا رأت الجبرويين فضلا عنها وكل فرقة تدعي وجود أشياء لم تر فمن زعم أنه لا يثبت الا ما شاهد ورأى فقد أفسد على نفسه من مذهبه وهؤلاء يتكلمون في العمر ولا يدرون ما هو والعمر هو اتصال كون الحي المحدود حيا فهذا الاتصال إنما يكون بدوام الحياة والحياة فعل الله تعالى فليس يستحيل منه ادامتها وكل ما جاز ان يفعله الله تعالى من طول العمر فإنه يجوز ان يفعل مثله في دوام الصحة والقوة وعدم الضعف والهرم وأما الذين استعاروا كلام المنجمين من المنازعين لنا في جواز طول العمر فإنهم يعتمدون الظنون دون اليقين والعقلاء يعلمون ان أصول المنجمين في الاحكام لا يثبت بالنظر والدليل وبينهم من التجارب فيها والاختلاف ما لا يخفى على المتأمل اني قد وجدت في كتاب أحد علمائهم وهو الكتاب المعروف
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»