كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٠٣
البداء ما لم يكن يعلم وإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن ولم تبق عليه أكثر من اطلاق اللفظ وقد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر انا أحكيه لتقف عليه (حكاية مجلس في البداء) كنت سئلت معتزليا حضرت معه مجلسا فيه قوم من أهل العلم فقلت له لم أنكرت القول بالبداء وزعمت أنه لا يجوز على الله تعالى فقال لأنه يقتضي ظهور أمر الله سبحانه كان عنه مستورا وفي هذا انه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالما فقلت له ابن لنا من أين علمت أنه يوجب ذلك وتقتضيه ليسع الكلام معك فيه فقال هذا هو معنى البداء والتعارف يقضي بيننا ولسنا نشك ان البداء هو الظهور ولا يبدو للامر إلا لظهور شئ مجدد من علم أو ظن لم يكن معه من قبل (وبيان ذلك) ان طبيبا لو وصف لعليل ان يشرب في وقته شراب الورد حتى إذا اخذ العليل القدح بيده ليشرب ما امره به قال له الطبيب في الحال صبه ولا تشربه وعليك بشرب النيلوفر بدله فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الامر (وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالما به من قبل فغير عليه الامر) لما تجدد له من العلم ولولا ذلك لم يكن معنى لهذا الخلاف فقلت له هذا مما في الشاهد وهو من البداء فيجوز عندك ان يكون في البداء قسم غير هذا فقال لا اعلم في الشاهد غير هذا القسم ولا ارى انه يجوز في البداء قسم غيره ولا يعلم فقلت له ما تقول في رجل له عبد أراد ان يختبر حاله وطاعته من معصيته ونشاطه من كسله فقال له في يوم شديد البرد سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا لتقبض مالا لي بها فاحسن العبد لسيده الطاعة وقدم المبادرة ولم يحتج بحجة فلما رأى سيده مسارعته وعرف شهامته ونهضته شكره على ذلك وقال له أقم على حالك فقد عرفت انك موضع للصنيعة وأهل للتعويل عليك في الأمور العظيمة أيجوز عندك هذا وان جاز فهل هو داخل في البداء أم لا فقال هذا مستعمل ورأينا مثله في الشاهد وقد بدا فيه للسيد وليس هو قسما ثانيا بل هو بعينه الأول هو الذي لا يجوز على الله عز وجل فقلت له لم زعمت لأنه القسم الأول فقال لان في الأول قد استفاد الطبيب علما بحال المريض له يكن بها عالما كما أن في الثاني قد استفاد السيد علما بحال العبد لم يكن بها عالما فهما عندي سواء فقلت له لم جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولي من التفرقة بينهما من حيث كان أحدهما مريدا لاتمام قبل ان يبدو له فيه فينهى عنه وهو الطبيب والاخر غير مريد لاتمامه على كل وجه وهو سيد العبد بل كيف لم تفرق بينهما من حيث إن
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»