واستدلوا لمذهبهم هذا، بما رواه مالك، عن ابن شهاب عن حرام بن سعيد بن المحيصة: أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط (1) رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها (2).
قال أبو عمر بن عبد البر: وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور، أرسله الأئمة، وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز، وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة العمل به. وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث.
ويرى سحنون - من المالكية - أن هذا الحديث، إنما جاز في أمثال المدينة التي هي حيطان محدقة. وأما البلاد التي هي زروع متصلة، غير محظرة، وبساتين كذلك، فيضمن أرباب النعم ما أفسدت من ليل أو نهار.
وذهبت الأحناف: إلى أنه إذا لم يكن معها مالكها فلا ضمان عليه، ليلا كان أو نهارا، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
" جرح العجماء جبار ".
فالأحناف يقيسون جميع أعمالها على جرحها.
وإن كان معها مالكها: فإن كان يسوقها فعليه ضمان ما أتلفت بكل حال، وإن كان قائدها أو راكبها فعليه ضمان ما أتلفت بفمها أو يدها، ولا يجب ضمان ما أتلفت برجلها.
وأجاب الجمهور، بأن الحديث الذي استدل به الأحناف عام، خصصه حديث البراء، هذا فيما يتصل بالزروع والثمار، أما غيرها فقد قال ابن قدامة في المغني:
" وإن أتلفت البهيمة غير الزرع، لم يضمن مالكها ما أتلفته، ليلا كان أو نهارا، ما لم تكن يده عليها ".
وحكي عن شريح: أنه قضى - في شاة وقعت في غزل حائط ليلا - بالضمان على صاحبها.