روى أحمد، وأبو داود، والحاكم وصححه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره ".
وقد يحدث أن يغفل المرء عن الجناية التي يرتكبها الجاني وينظر إلى العقوبة الواقعة عليه، فيرق قلبه له ويعطف عليه، فيقرر القرآن أن ذلك مما يتنافى مع الايمان، لان الايمان يقتضي الطهر والتنزه عن الجرائم والسمو بالفرد والجماعة إلى الأدب العالي والخلق المتين. يقول الله سبحانه:
" الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " (1).
إن الرحمة بالمجتمع أهم بكثير من الرحمة بالفرد.
فقسا ليزدجروا، ومن يك حازما فليقس أحيانا على من يرحم الشفاعة في الحدود:
يحرم أن يشفع أحد أو يعمل على أن يعطل حدا من حدود الله، لان في ذلك تفويتا لمصلحة محققة، وإغراء بارتكاب الجنايات، ورضا بإفلات المجرم من تبعات جرمه.
وهذا بعد أن يصل الامر إلى الحاكم، لان الشفاعة حينئذ تصرف الحاكم عن وظيفته الأولى، وتفتح الباب لتعطيل الحدود (2).
أما قبل الوصول إلى الحاكم، فلا بأس من التستر على الجاني، والشفاعة عنده.
أخرج أبو داود، والنسائي، والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب ".