البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٥٨٤
وعرف عامتنا فإنه يقال ضرب فلان اليوم ولده وإن لم يباشر، ويقول العامي لولده غدا أسقيك علقة ثم يذكر لمؤدب الولدان يضربه فيعد الأب نفسه أنه قد حقق إيعاده ذلك ولم يكذب فمقتضاه أن تنعقد على معنى لا يقع به ضرب من جهتي ويحنث بفعل المأمور اه‍. وينبغي أن يكون مرادهم بالولد الولد الكبير لأنه لا يملك ضربه فهو كما لو حلف لا يضرب حرا أجنبيا فإنه لا يحنث إلا بالمباشرة لأنه لا ولاية له عليه فلا يعتبر أمره إلا أن يكون الحالف سلطانا أو قاضيا لأنهما يملكان ضرب الأحرار حدا وتعزيرا فملكا الامر به. وأما الولد الصغير فكالعبد لما في فتاوى قاضيخان:
ولو حلف لا يضرب ولده الصغير فأمر غيره فضربه ينبغي أن يحنث الحالف لأن الأب يملك ضرب ولده الصغير فيملك التفويض إلى غيره ويكون بمنزلة القاضي والسلطان اه‍. وإنما لم يجزم به في الفتاوى لأن الولد أعم من الصغير والكبير ولم يخصص بالكبير في الروايات.
وفي الذخيرة: ولو حلف على امرأته لا يضربها فأمر غيره حتى ضربها فقد قيل إنها نظير العبد فيحنث في يمينه، وقيل إنها نظير الولد فلا يحنث الحالف في يمينه اه‍. ولم يرجح وينبغي ترجيح الثاني لأن معظم المنفعة تعود لها وإن حصلت للزوج ضمنا ولو نوى المباشرة بنفسه فقط في هذه النوع قالوا: فما كان الحكميات كالتزوج والطلاق فإنه يصدق ديانة لا قضاء، وما كان من الحسيات كالضرب والذبح فإنه يصدق ديانة وقضاء. والفرق أن الطلاق ليس إلا تكلما بكلام يفضي إلى الوقوع والامر بذلك مثل التكلم به واللفظ ينتظمهما، فإذا نوى أن لا يليه فقد نوى الخصوص في العام فلا يصدق قضاء لأنه خلاف الظاهر. وما كان حسيا فإنه يعرف بأثره المحسوس في المحل وإنما يحصل بالفعل فكان فيه حقيقة والنسبة إلى الآمر بالسبب مجاز، فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى حقيقة كلامه. وقيد بالنكاح لأنه لو قال والله لا أزوج فلانة فأمر رجلا فزوجها لا يحنث بخلاف التزوج. قال محمد بن الوليد:
سألت نجم الدين عن الفرق فقال: التزويج بأمره لا يلحقه حكمه والتزوج بأمره يثبت حكمه لو وهو الحل، كذا في الفيض معزيا إلى مجموع النوازل. وفي البدائع: حلف لا يزوج بنته الصغيرة فتزوجها رجل بغير أمره فأجاز حنث لأن حقوقه تتعلق بالمجيز، ولو حلف لا يزوج ابنا له كبيرا فأمر رجلا فزوجه ثم بلغ الابن فأجاز أو زوجه رجل وأجاز الأب ورضي الابن لم يحنث، وسيأتي تمامه في قوله لو حلف لا يتزوج فأجاز بالقول حنث وبالفعل لا. وفي الظهيرية: رجل قال لامرأة لا يحل له نكاحها إن تزوجتك فعبدي حر فتزوجها حنث لأن يمينه تنصرف إلى ما يتصور. عبد حلف أن لا يتزوج فزوجه مولاه وهو كاره لذلك لم يحنث لأن لفظ النكاح وجد من المولى. ولو حلف رجل أن لا يتزوج امرأة فأذكره على النكاح فتزوج
(٥٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 579 580 581 582 583 584 585 586 587 588 589 ... » »»
الفهرست