البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٢١٧
قوله: (عدة الحرة للطلاق أو الفسخ ثلاثة أقراء) أي حيض ظاهر في أن العدة اسم للأجل المضروب كما في البدائع على إرادة مدة ثلاثة أقراء لأنه أوقع ثلاثة خبرا للعدة على تقدير الرفع فهو مخالف لما قدمناه من التحقيق، وأما على تقدير نصب ثلاثة فالمراد كون عدتها في مدة ثلاثة أقراء لأن الحرمات تتعلق في مدة الأقراء فكان ظرف زمان معربا واقعا خبرا عن اسم معنى نحو السفر غدا لكنه على تقدير الرفع اعتبر فيه الاطلاق المجازي أعني إطلاق العدة على نفس المدة. أطلق الطلاق فشمل البائن والرجعي ولم يقيد بالدخول بناء على أن الأصل في النكاح الدخول ولا بد منه حقيقة أو حكما حتى تجب على مطلقة بعد الخلوة ولو فاسدة كما بيناه فيها، ولم أر حكم ما إذا وطئها في دبرها أو أدخلت منيه في فرجها ثم طلقها من غير إيلاج في قبلها. وفي تحرير الشافعية وجوبها فيهما ولا بعد أن بحكم على المذهب بالثاني لأن إدخال المني محتاج إلى تعرف البراءة أكثر من مجرد الايلاج والأصل في هذا النوع قوله تعالى * (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) * [البقرة: 822] والمراد بهن المدخولات اللاتي يحضن وهو خبر بمعنى الامر وأصل الكلام ليتربصن ولام الامر محذوفة فاستغنى عن ذكره، وإخراج الامر في صورة الخبر تأكيد له وللاشعار بأنه مما يتلقى بالمسارعة إلى امتثاله نحو قولهم في الدعاء رحمك الله أخرج في صورة الخبر ثقة بالاستجابة كأن الرحمة وجدت فهو يخبر عنها. وبناؤه على المبتدأ يدل على زيادة التأكيد، ولو قيل يتربص المطلقات لم يكن بتلك الوكادة لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبات بخلاف الفعلية.
وفي ذكر الأنفس تهييج لهن على التربص وزيادة تعب إذ نفوسهن طوامح إلى الرجال فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على التربص. وانتصب ثلاثة على الظرف أي مدة ثلاثة قروء وجاء المميز على جمع الكثرة دون القلة التي هي الأقراء لجواز استعمال أحد الجمعين مكان الآخر لاشتراكهما في الجميعة، ولعل القروء أكثر في جمع القرء من الأقراء فأوثر عليه تنزيلا لقليل الاستعمال منزلة المهمل، كذا في المعراج. والقرء مشترك بين الحيض والطهر، وأوله أصحابنا في الآية بالحيض، والشافعي بالطهر وموضعه الأصول.
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست