البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٤ - الصفحة ٢٠٣
والمصاهرة لقوله عليه السلام والمتلاعنان لا يجتمعان أبدا ويقتضي قوله أن الفرقة لا تتوقف على القضاء كما أشار إليه في فتح القدير. ولهما أن عويمرا طلق الملاعنة ثلاثا فصار سنة المتلاعنين لأنه يجب عليه أن يطلقها فإن لم يفعل ناب القاضي منابه كما في العنين فكانت الفرقة طلاقا، وأما الحديث فلا يمكن العمل بحقيقته لأن حقيقة المتفاعل المتشاغل بالفعل ولما فرغا منه زالت الحقيقة فانصرف المراد إلى الحكم وهو أن يكون حكمه باقيا وبعد الاكذاب لم يبق حكمه لبطلانه فلم يبق حقيقة ولا حكما فجاز اجتماعهما ونظيره قوله تعالى في قصة أصحاب الكهف * (إنهم أن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) * [الكهف: 02] أي ما داموا في ملتهم، ألا ترى أنهم إذا لم يفعلوا أفلحوا كذا هذا، كذا في البدائع. وقد بحث المحقق ابن الهمام في فتح القدير بأنه لما لم تمكن الحقيقة وصير إلى المجاز كان له مجازان: أحدهما ما ذكرتم من إرادة من بينهما تلاعن قائم حكما. والثاني من وجد بينهما تلاعن في الخارج. وعلى هذا التقدير لا يجتمعان بعد الاكذاب بينهما إذ ارتفاع حكمه لا يوجب ارتفاع كونه قد تحقق له وجود في الخارج ولكن بقي النظر في أي الاحتمالين أرجح وأظن أن الثاني أسرع إلى الفهم ا ه‍.
قوله: (وكذا إذا قذف غيرها فحد أو زنت فحدت) يعني له أن ينكحها أيضا إذا خرجا أو أحدهما عن أهلية اللعان. أطلقه فشمل ما إذا خرسا أو أحدهما، وأراد بالزنا الوطئ الحرام وإن لم يكن زنا شرعيا - كما ذكره الأسبيجابي - لزوال عفتها. ولو قال وكذا إن قذف أحدهما فحد لكان أولى لشموله المتلاعنين ولو أسقط قوله فحد لكان أولى لأن بمجرد زناها حلت له سواء حدت بأن وقع اللعان قبل الدخول ثم زنت فجلدت أو لم تحد لزوال العفة. وإنما قيدنا بهذه الصورة لأنه لو كان بعد الدخول كان حدها الرجم وهو إهلاك فلا يتصور القول بحلها بعده واستغنى بها عن تغيير الرواية بأنها زنت بالتشديد أي نسبت غيرها للزنا لمخالفته للرواية لأنها بتخفيف النون. وفي فتح القدير: واستشكل بأن زوال أهلية الشهادة بطرق الفسق مثلا لا يوجب بطلان ما حكم به القاضي عنها في حال قيام العدالة فلا يوجب بطلان ذلك اللعان السابق الواقع في حال الأهلية ليبطل أثره من الحرمة اه‍. قوله:
(ولا لعان بقذف الأخرس) لفقد الركن منه وهو التلفظ بالشهادات ولهذا لو قال أحلف مكان أشهد لا يجوز. ولو قال ولا لعان إذا كانا أخرسين أو أحدهما لكان أولى للعلة المذكورة إذا كانت خرساء ولاحتمال تصديقها لو كانت ناطقة. وأشار إلى أنه لا يثبت بالكتابة كما لا
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست