وسلم تسعة وعشرين يوما أكثر مما صمنا ثلاثين يوما ولو صام أهل بلد ثلاثين يوما وصام أهل بلد آخر تسعة وعشرين يوما فإن كان صوم أهل ذلك البلد برؤية الهلال وثبت ذلك عند قاضيهم أو عدوا شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا رمضان فعلى أهل البلد الاخر قضاء يوم لأنهم أفطروا يوما من رمضان لثبوت الرمضانية برؤية أهل ذلك البلد وعدم رؤية أهل البلد لا يقدح في رؤية أولئك إذ العدم لا يعارض الوجود وإن كان صوم أهل ذلك البلد بغير رؤية هلال رمضان أو لم تثبت الرؤية عند قاضيهم ولا عدوا شعبان ثلاثين يوما فقد أساؤا حيث تقدموا رمضان بصوم يوم وليس على أهل البلد الآخر قضاؤه ولما ذكرنا ان الشهر قد يكون ثلاثين وقد يكون تسعة وعشرين هذا إذا كانت المسافة بين البلدين قريبة لا تختلف فيها المطالع فاما إذا كانت بعيدة فلا يلزم أحد البلدين حكم الآخر لان مطالع البلاد عند المسافة الفاحشة تختلف فيعتبر في أهل كل بلد مطالع بلدهم دون البلد الآخر وحكى عن أبي عبد الله بن أبي موسى الضرير انه استفتى في أهل إسكندرية ان الشمس تغرب بها ومن على منارتها يرى الشمس بعد ذلك بزمان كثير فقال يحل لأهل البلد الفطر ولا يحل لمن على رأس المنارة إذا كان يرى غروب الشمس لان مغرب الشمس يختلف كما يختلف مطلعها فيعتبر في أهل كل موضع مغربه ولو صام أهل مصر تسعة وعشرين وأفطروا للرؤية وفيهم مريض لم يصم فان علم ما صام أهل مصره فعليه قضاء تسعة وعشرين يوما لان القضاء على قدر الفائت والفائت هذا القدر فعليه قضاء هذا القدر وان لم يعلم هذا الرجل ما صنع أهل مصره صام ثلاثين يوما لان الأصل في الشهر ثلاثون يوما والنقصان عارض فإذا لم يعلم عمل بالأصل وقالوا فيمن أفطر شهر العذر ثلاثين يوما ثم قضى شهرا بالهلال فكان تسعة وعشرين يوما ان عليه قضاء يوم آخر لان المعتبر عدد الأيام التي أفطر فيها دون الهلال لان القضاء على قدر الفائت والفائت ثلاثون يوما فيقضى يوما آخر تكملة الثلاثين واما الذي يرجع إلى الصائم فمنها الاسلام فإنه شرط جواز الأداء بلا خلاف وفى كونه شرط الوجوب خلاف سنذكره في موضعه ومنها الطهارة عن الحيض والنفاس فإنها شرط صحة الأداء باجماع الصحابة رضي الله عنهم وفى كونها شرط الوجوب خلاف نذكره في موضعه فاما البلوغ فليس من شرائط صحة الأداء فيصح أداء الصوم من الصبي العاقل ويثاب عليه لكنه من شرائط الوجوب لما نذكره وكذا العقل والإفاقة ليسا من شرائط صحة الأداء حتى لو نوى الصوم من الليل ثم جن في النهار أو أغمي عليه يصح صومه في ذلك اليوم ولا يصح صومه في اليوم الثاني لا لعدم أهلية الأداء بل لعدم النية لأن النية من المجنون والمغمى عليه لا تتصور وفى كونهما من شرائط الوجوب كلام نذكره في موضعه ومنها النية والكلام في هذا لشرط يقع في ثلاث مواضع أحدها في بيان أصله والثاني في بيان كيفيته والثالث في بيان وقته اما الأول فاصل النية شرط جواز الصيامات كلها في قول أصحابنا الثلاثة وقال زفر صوم رمضان في حق المقيم جائز بدون النية واحتج بقوله تعالى فمن شهد منكم الشهر فليصمه أمر بصوم الشهر مطلقا عن شرط النية والصوم هو الامساك وقد أتى به فيخرج عن العهدة ولأن النية إنما تشترط للتعيين والحاجة إلى التعيين عند المزاحمة ولا مزاحمة لان الوقت لا يحتمل الا صوما واحدا في حق المقيم وهو صوم رمضان فلا حاجة إلى التعيين بالنية ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا عمل لمن لا نية له وقوله الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ولان صوم رمضان عبادة والعبادة اسم لفعل يأتيه العبد باختياره خالصا لله تعالى بأمره والاختيار والاخلاص لا يتحققان بدون النية واما الآية فمطلق اسم الصوم ينصرف إلى الصوم الشرعي والامساك لا يصير صوما شرعا بدون النية لما بينا واما قوله إن النية شرط للتعيين وزمان رمضان متعين لصوم رمضان فلا حاجة إلى النية فنقول لا حاجة إلى النية لتعيين الوصف لكن تقع الحاجة إلى النية لتعيين الأصل بيانه ان أصل الامساك متردد بين أن يكون عادة أو حمية وبين أن يكون لله تعالى بل الأصل أن يكون فعل كل فاعل لنفسه ما لم يجعله لغيره فلا بد من النية ليصير لله تعالى ثم إذا صار أصل الامساك لله تعالى في هذا الوقت بأصل النية والوقت متعين لفرضه يقع عن الفرض من غير الحاجة إلى تعيين الوصف واما الثاني في كيفية النية فإن كان الصوم عينا وهو صوم
(٨٣)