المبسوط - السرخسي - ج ١٥ - الصفحة ١١٢
بنوا مسألة المصارفة على هذا ولكن هذا شئ لا يروى عن محمد رحمه الله نصا وفي الجامع بنى المسائل على أن الاجر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا ولكن وجه قوله الأول أن سبب الوجوب هو العقد والعقد منعقد إلا أن الوجوب تأخر لتأخر ما يقابله والابراء بعد وجوب سبب الوجوب صحيح كالابراء عن نفقة العدة مشروطا في الخلع وهذا لان السبب لما اعتبر في جواز أداء الواجب وأقيم مقام الوجوب فكذلك في الاسقاط وجه قوله الاخر أن الابراء اسقاط واسقاط ما ليس بواجب لا يتحقق والهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك لا يصح ولو جاز الابراء وبقي العقد بملك المستأجر المنفعة عند الاستيفاء بغير عوض وهذا يخالف قضية الإجارة فإنه من حكم الإعارة ولا خلاف بينهما أن الابراء عن بعض الأجرة قبل استيفاء شئ من المنفعة صحيح لان هذا بمنزلة الحط فيلتحق بأصل العقد ويصير كأنه عقد في الابتداء بما بقي ولو باعه بالأجر متاعا وسلمه إليه فهو جائز لأن الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله دينا في الذمة (ألا ترى) انه لو اشترى بالدين المظنون شيئا ثم تصادقا على أن لا دين بقي الشراء صحيحا ثم لما اتفقا على المقاصة بالأجر مع علمهما بأنه لا يجب بنفس العقد فكأنهما شرطا تعجيل الاجر ويجعل ذلك مضمرا في كلامهما بالتحصيل مقصودهما كما إذا قال أعتق عبدك عنى على ألف درهم يجعل التمليك مضمرا لتحصيل مقصودهما فيصير الاجر بالثمن قصاصا بهذا الطريق ولا يكون للبائع حق حبس المبيع باستيفاء الثمن فإن لم يوفه العمل لعذر رجع عليه بالدراهم دون المتاع لأنه لما انفسخ العقد بعد ما صار مستوفيا للأجر بالمقاصة وجب رد ما استوفى كما لو استوفاه حقيقة أو لما انفسخ العقد ظهر أن الاجر غير واجب وان المقاصة لا تقع به ولكن أصل الشراء بقي صحيحا بثمن في ذمته فيطالبه بالثمن وان باعه المستأجر بالدراهم دنانير ودفعها إليه قبل استيفاء المنفعة فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله الأول وهو قول محمد رحمه الله وفي قوله الاخر الصرف باطل فإذا افترقا قبل ايفاء العمل فوجه قوله الأول أنهما لما أضافا عقد الصرف إلى الأجرة فقد قصد المقاصة بها ولا وجه لتحصيل مقصودهما الا بتقديم اشتراط التعجيل فيقدم ذلك لتحصيل مقصودهما ثم المضمر كالمصرح به ولو صرح باشتراط التعجيل ثم صارف به دينارا وقبضه لم يبطل العقد بالافتراق فكذلك إذا ثبت ذلك ضمنا في كل منهما وهو نظير الشراء والدليل عليه أن من كفل عن غيره عشرة دراهم بأمره ثم صارف به مع المكفول عنه دينارا قبل أن يؤدي جاز ذلك لوجود السبب وإن لم يجب دينه على المكفول عنه ما لم
(١١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 ... » »»
الفهرست