إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ٤ - الصفحة ٣٦٧
وإنما عبر به اقتداء بالآية الشريفة وهي: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * الآية، فلا يكفي أن يصنع لهم طعاما يغديهم به أو يعشيهم. (وقوله: عشرة مساكين) لو ملكهم جملة الامداد كفى، كما لو ملكهم عشرة أثواب جملة فإنه يكفي، بخلاف ما لو ملكهم ثوبا كبيرا يكفي العشرة، فلا يكفي وإن اقتسموه بعد ذلك، نعم لو قطعه عشرة قطع وأعطاه لهم كفى بشرط أن تسمى كل قطعة كسوة. (قوله: كل مسكين مد) أي كل مسكين يعطى مدا، فلا يكفي دون مد لواحد منهم. ولو أعطى العشرة أمداد لاحد عشر مسكينا لم يكف، لان كل واحد أخذ دون مد. (وقوله: حب) ليس بقيد، بل الضابط أن يكون من جنس الفطرة بأن يكون من غالب قوت البلد من الأقوات المفصلة هناك. (وقوله: من غالب قوت البلد) أي بلد المكفر إن كفر عن نفسه، فإن كفر عنه غيره فالعبرة بغالب قوت بلد المكفر عنه. (قوله: أو كسوتهم) يقال فيه ما تقدم، والضمير يعود على العشرة مساكين، والمراد يدفع المكفر لكل واحد منهم ما يطلق عليه كسوة، وقد علمت أنه يجزئ أن يدفع للعشرة مساكين عشرة أثواب جملة، ثم يقتسموها بينهم، بخلاف ما لو دفع ثوبا كبيرا وإن اقتسموه بعد ذلك، إلا إن قطعه عشرة قطع بالشرط المتقدم. (وقوله: بما يسمى كسوة) أي بشئ يسمى كسوة مما يعتاد لبسه. (وقوله: كقميص) لا يشترط فيه أن يكون صالحا للمدفوع إليه، فيجزئ أن يدفع للرجل ثوب صغير، أو ثوب امرأة، ولا يشترط كونه جديدا. فيجوز دفعه ملبوسا لم تذهب قوته ولو كان مغسولا أو متنجسا، لكن يجب عليه أن يعلمهم بنجاسته، بخلاف نجس العين فلا يجزئ، وبخلاف ما ذهبت قوته وهو الثوب البالي فلا يجزئ لضعف النفع به. (قوله: أو إزار) أو رداء أو عمامة، وإن قلت كذراع. (قوله: لا خف) أي ونحوه من كل ما لا يسمى كسوة كقفازين ومنطقة - وهي ما يشد به الوسط - وخاتم وتكة وتبان: وهو سروال صغير بقدر شبر لا يبلغ الركبة بل يغطي السوأتين كما يلبسه الملاحون، ودرع من نحو حديد، ونعل وجورب وقلنسوة - وهي ما يغطى بها الرأس - وعرقية - وهي الطاقية المعروفة. وقول شيخ الاسلام في شرح منهجه بأجزائها، محمول على أن المراد بها شئ آخر كالعراقة التي تجعل تحت البرذعة أو السرج، وهذا الحمل وإن كان بعيدا أولى من إبقائه على ظاهره المخالف لكلام الأصحاب. ومما يبعد هذا الحمل المذكور كون العراقة المذكورة لا تسمى كسوة للآدميين بل للدواب وقد قال تعالى: * (أو كسوتهم) * ولم يقل أو كسوة دوابهم. (قوله: فإن عجز عن الثلاثة) أي عن كل واحد من الثلاثة، والمراد بالعجز ما يشمل الحسي، كأن لم يجد شيئا من الثلاثة رأسا، والشرعي بأن وجد ذلك ولكن لم يملك ثمنه، أو ملكه ولكن يحتاج إليه لمؤنة نفسه أو ممونه، وليس من العجز الشرعي وجود شئ من الثلاثة بأكثر من ثمن مثله كما في التيمم، بل يصبر إلى أن يجده بثمن مثله، وكذلك ليس منه ما لو غاب ماله إلى مسافة القصر فيصير إلى أن يحضر ماله ويكفر به. (قوله: لزمه صوم ثلاثة أيام) أي بنية الكفارة، ويشترط تبييتها.
(قوله: ولا يجب تتابعها) أي لاطلاق الآية وهي: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) *. (قوله: خلافا لكثيرين) أي قالوا بوجوب التتابع، واحتجوا بذلك بقراءة ابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات، والقراءة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل بها، ولذلك أوجبوا قطع يد السارق اليمنى في السرقة الأولى بقراءة: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) * مع كونها قراءة شاذة، وأجاب الأولون بأن قراءة متتابعات نسخت تلاوة وحكما فلا يستدل بها، بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكما، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) سورة المائدة، الآية: 89.
(2) سورة المائدة، الآية: 89.
(3) سورة البقرة، الآية: 196.
(4) سورة المائدة، الآية: 38.
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»
الفهرست