إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ١ - الصفحة ٦٥
العلم، والعلم أفضل من النوافل. فأراهم أن المقصود من العلم العمل، وما فهموا من العمل إلا عمل الجوارح، وما علموا أن المراد من العمل عمل القلب، وعمل القلب أفضل من عمل الجوارح، فلما تمكن منهم بترك العلم دخل عليهم في فنون العبادة. فمن ذلك الاستطابة والحدث، فيأمرهم بطول المكث في الخلاء، وذلك يؤذي الكبد، فينبغي أن يكون بقدر الحاجة. ومنهم من يحسن لهم استعمال الماء الكثير، وإنما عليه أن يغسل حتى تزول العين. ومنهم من لبس عليه في وضوئه في النية، فتراه يقول: نويت رفع الحدث، ثم يعيد ذلك مرات كثيرة. وسبب هذا: إما الجهل بالشرع، أو خبل في العقل، لأن النية في القلب لا باللفظ، فتكلف اللفظ أمر لا يحتاج إليه. ومنهم من لبس عليه بكثرة استعمال الماء في وضوئه، وذلك يجمع مكروهات أربعا: الاسراف في الماء إذا كان مملوكا أو مباحا، أما إذا كان مسبلا للوضوء فهو حرام. وتضييع العمر الذي لا قيمة له فيما ليس بواجب ولا مستحب. وعدم ركون قلبه إلى الشريعة حيث لم يقنع بما ورد به الشرع. والدخول فيما نهى عنه من الزيادة على الثلاث. وربما أطال الوضوء فيفوت وقت الصلاة أو أول وقتها أو الجماعة، ويقول له الشيطان: أنت في عبادة لا تصح الصلاة إلا بها. ولو تدبر أمره علم أنه في تفريط ومخالفة.
فقد حكي عن ابن عقيل أن رجلا لقيه فقال له إني أغسل العضو فأقول ما غسلته، وأكبر فأقول ما كبرت. فقال ابن عقيل:
دع الصلاة فإنها لا تجب عليك فقال قوم لابن عقيل: كيف؟ فقال لهم: قال رسول الله (ص): رفع القلم عن المجنون حتى يفيق ومن يكبر وهو يقول ما كبرت فهذا مجنون، والمجنون لا تجب عليه الصلاة. اه‍. (قوله: أي بنية الوضوء) راجع للزيادة. وفي المغني ما نصه: قال ابن دقيق العيد: ومحل الكراهة في الزيادة على الثلاث إذا أتى بها على قصد نية الوضوء أو أطلق، فلو زاد عليها بنية التبرد أو مع قطع نية الوضوء عنها لم يكره. اه‍. (قوله: وتحرم) أي الزيادة. وهذا كالتقييد لكراهة الزيادة، أي محل الكراهة في الزيادة ما لم تكن من ماء موقوف، وإلا حرمت لأنها غير مأذون فيها.
وقوله: على التطهر أي المتطهر، فهو مصدر بمعنى اسم الفاعل، أي أنه موقوف على من يريد أن يتطهر به. (قوله:
يأخذ الشاك أثناء الوضوء) سيأتي مقابله. وقوله: في استيعاب أي استيعاب غسل عضوه، أي شك هل كمل غسله أم لا؟ فيجب تكميله عملا بالأحوط. وتقدم عن الشارح في مبحث الترتيب أنه نقل عن شيخه أنه لو شك بعد عضو في أصل غسله لزمه إعادته، أو بعضه لم تلزمه. وإن كان قبل فراغ الوضوء، فتنبه له. (قوله: أو عدد) أي أو الشاك في عدد، كأن شك هل غسل ثلاثا أو اثنين؟ فيأخذ بالأقل احتياطا ويأتي بثالثة. ولا يقال: ربما تكون رابعة فيكون بدعة، وتركه سنة أهون من ارتكاب بدعة. لأنا نقول: محل كونها بدعة إذا تيقن أنها رابعة. (قوله: باليقين) متعلق بيأخذ. (قوله: وجوبا في الواجب) كما إذا شك في الغسلة الأولى أو في استيعابها العضو وقوله: وندبا في المندوب كما إذا شك في الغسلة الثانية أو الثالثة. (قوله: ولو في الماء الموقوف) غاية في الاخذ باليقين. (قوله: وتيامن) أي وسن تيامن. (قوله: في اليدين والرجلين) أي فقط، أما غيرهما فيطهر دفعة واحدة كالكفين والخدين والأذنين. (قوله: ولنحو أقطع) معطوف على محذوف تقديره: وتيامن في اليدين والرجلين لغير نحو أقطع ولنحو أقطع. أي وتيامن لنحو أقطع في كل الأعضاء.
وقوله: في جميع أعضاء وضوئه أي إن توضأ بنفسه كما هو ظاهر. اه‍ تحفة. (قوله: وذلك) أي كون التيامن سنة ثابت لأنه (ص) إلخ. (قوله: وشأنه كله) أي حاله كله. وعطفه على تطهره من عطف العام على الخاص. (قوله: أي مما هو من باب التكريم) تخصيص لعموم قوله وشأنه كله، أي مما يطلب التيامن في الأمور التي ليس فيها إهانة، بل فيها شرف
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»
الفهرست