إعانة الطالبين - البكري الدمياطي - ج ١ - الصفحة ١٤٣
حيث التلبس بعبادة فاسدة. ويأثم أيضا من حيث إيقاعها في وقت الكراهة، على القول بأن الكراهة للتحريم، بخلافه على القول بأنها للتنزيه. فهذا هو المترتب على الخلاف. والفرق بين كراهة التحريم وكراهة التنزيه، أن الأولى تقتضي الاثم، والثانية لا تقتضيه. وإنما أثم هنا حتى على القول بأنها للتنزيه لما مر. والفرق بين كراهة التحريم والحرام، مع أن كلا يقتضي الاثم: أن كراهة التحريم ما ثبتت بدليل يحتمل التأويل، والحرام ما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل، من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس. والأصل في النهي ما رواه مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: ثلاث ساعات كان رسول الله (ص) ينهانا أن نصلي فيهن، أو نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب. ثم إن الكراهة تتعلق بالفعل في وقتين: بعد أداء الصبح، وبعد أداء العصر. وتتعلق بالزمن من غير نظر إلى الفعل في ثلاثة أو أوقات: عند الاستواء في غير يوم الجمعة ولو لمن يحضرها، وعند طلوع الشمس حتى ترتفع، وعند الاصفرار حتى تغرب. والمؤلف رحمه الله تعالى أسقط من هذه الثلاثة اثنين وأدرجهما في الأولين المتعلقين بالفعل، لأنه جعل ما بعد الصبح إلى الارتفاع وقتا واحدا، وما بعد العصر إلى الغروب كذلك. وفيه نظر، لان من لم يصل الصبح حتى طلعت الشمس، أو لم يصل العصر حتى غربت الشمس، تكره له الصلاة. ثم إن كراهة الصلاة في هذه الأوقات قيل: تعبدي، وقيل، معقول المعنى. وإلى الأول جنح ابن عبد السلام، وإلى الثاني جنح ابن حجر في التحفة. فانظرها إن شئت. (قوله: لا سبب لها) أي أصلا، لا متقدم ولا متأخر ولا مقارن. (قوله: كالنفل المطلق) أي الذي لم يتقيد بوقت. (قوله: ومنه) أي من النفل المطلق. (قوله: أو لها إلخ) أي أو صلاة لها سبب متأخر. (قوله: كركعتي استخارة وإحرام) أي فسببهما - وهو الاستخارة والاحرام - متأخر عن الصلاة. (قوله: بعد أداء) متعلق بيكره. (قوله: حتى ترتفع) أي ويستمر التحريم إلى أن ترتفع الشمس. (قوله: كرمح) أي تقريبا. والرمح من رماح العرب طوله سبعة أذرع، والتقريب فيه أن ينقص قدر ذراع مثلا. (قوله: وعصر) معطوف على صبح. (قوله: حتى تغرب) أي ويستمر التحريم حتى تغرب الشمس. (قوله: وعند استواء) معطوف على بعد أداء صبح. أي وتكره تحريما عند استواء، وهو وقت لطيف لا يسع الصلاة ولا يكاد يشعر به حتى تزول الشمس، إلا أن التحريم قد يمكن إيقاعه فيه فلا تصح حينئذ. وقوله: غير يوم الجمعة أما استواء يوم الجمعة فتصح الصلاة عنده وإن لم يحضرها، لخبر أبي داود وغيره. (قوله: لا ما له سبب متقدم) ما اسم موصول واقعة على صلاة ومعطوفة على نائب فاعل يكره، أي لا تكره صلاة لها سبب متقدم. قال ابن رسلان:
أما التي لسبب مقدم كالنذر والفائت لم تحرم واعلم أنه اختلف في التقدم والتأخر، فقيل: هما بالنسبة إلى الصلاة. وقيل: بالنسبة للوقت المكروه. وأظهرهما الأول كما قال الأسنوي، وعليه جرى ابن الرفعة. وعليه لا يتأتى السبب المقارن للصلاة لأنه متقدم أبدا، بخلافه على الثاني فإنه يتأتى. والشارح رحمه الله تعالى جرى على الأول أيضا، ولذلك لم يذكر السبب المقارن، وعد صلاة الكسوف من الذي سببه متقدم. وبعضهم أثبت السبب المقارن مطلقا، وقال: المراد المقارنة ولو دواما، فصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء سببهما - وهو تغير الشمس أو القمر أو الحاجة إلى السقي - وإن كان متقدما على الصلاة هو مقارن لها دواما.
(قوله: كركعتي وضوء إلخ) أمثلة لما له سبب متقدم. وبيان ذلك أن ركعتي الوضوء سببهما الوضوء وهو متقدم، وركعتي الطواف سببهما الطواف وهو متقدم، وركعتي تحية المسجد سببهما دخول المسجد وهو متقدم، وركعتي الكسوف سببهما كسوف الشمس أو القمر وهو متقدم على ما فيه، وصلاة الجنازة سببها طهر الميت وهو متقدم، والفائتة سببها التذكر وهو متقدم. وانظر ما سبب الصلاة المعادة المتقدم، فإن كان الجماعة فيرد عليه أنها سبب مقارن، وأيضا هي شرط في الإعادة
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»
الفهرست