يدل على أصل المرجوحية وإن كان المتراءى من كلامه غير ما ذكرناه، فإنه يستفيد النفي بقرينة السؤال هذا غاية تقريب كلامه في عدم دلالة الرواية على التحريم و هو غير تام.
نعم يمكن أن يقال إن ما يضعف دلالتها على الحرمة أن المشهور ما أفتوا بها فهي معرض عنها بحسب الفتوى، وأما يظهر من الشيخ وصاحب الوسيلة من القول بالحرمة فلا يجبر الضعف ولا يزيد قوة فيها مضافا إلى ما في الجواهر من احتمال حمل عبارتهما على الكراهة وامكان ذلك في كلامهما حيث عبرا بعدم الجواز القابل للحمل عليها.
ويرد عليه أن المشهور من الفقهاء لم يعرضوا عن الرواية لضعف في سندها حتى يوجب وهنا فيها، بل أفتوا على طبقها بما استفادوا منها من الكراهة بقرينة المقابلة للتكفين بالثياب السود، على ما أدى إليه نظرهم وساق إليه فهمهم وألزمهم عليه رأيهم، ولا يضر ذلك ولا يمنع عن العمل بها والفتوى بالحرمة لو تمت الدلالة في نظر غيرهم ورأيهم وفهمهم.
اللهم أن يقال إن السلف من فقهائنا والمشهور منهم قدس الله أسرارهم كانوا ذوي علم ودراية ودقة بل كانوا أكثر دقة وجودة منا مع تبحرهم في العربية والأدبية، فإذا لم يفهموا من الرواية إلا الكراهة يكشف به إنها كانت محفوفة بقرينة أو ملفوفة بضميمة تفيد الكراهة وتمنع النهي عن ظاهره وصرفه عما يتبادر منه، لأن خطأ الجميع في فهم الرواية بعيد وعدم التوجه إلى ما هو الظاهر من النهي أبعد، ويوجد نظير ذلك في فقهنا كثيرا كما في الارغام في السجدة.
فقد روي عن علي عليه السلام لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين (1) وعن أبي عبد الله عليه السلام لا صلاة لمن لم يصب أنفه ما يصيب جبينه (2)