مع أن الأصح بحسب الاعتبار نسخة التهذيب، لما أشرنا إليه من أن النش كلما أطلق في الأخبار أريد به الجيش بنفسه، والغليان عند الاطلاق بمناسبة ما ذكرناه هو ما حصل بالنار ولا أقل من كونه أعم، لكن في الرواية بعد عدم معنى لذكر النش والغليان معا بعد كون أحدهما موضوعا للحكم لا بد وأن يراد بالنش ما ذكرناه، كما في سائر الروايات، وبالغليان ما غلى بغيره، فلا بد من العطف بأو لا الواو لكن صاحب الرسالة لما اغتر بإصابة رأيه فتح باب التأويل والتحريف في الروايات المخالفة له.
وأما دعواه بأن كل ما ورد بلفظ الطبخ أو ما يساوقه فهو مغياة بذهاب الثلثين ففيها إنه إن أراد بذلك أن ما ذكر فيها ذهاب الثلثين منحصر بالمطبوخ كما هو الظاهر منه - ولهذا ادعى أمرا آخر، وهو أن المغلي بنفسه إذا ذهب ثلثاه بالنار يكون حراما، ولا يفيد التثليث إلا في العصير الذي طبخ قبل نشيشه بنفسه - ففيها منع، فإن الظاهر من غير واحد من الروايات أن التثليث غاية مطلقا، ففي رواية أبي الربيع الشامي بعد ذكر منازعة آدم عليه السلام وإبليس لعنه الله قال:
" فرضيا بروح القدس، فلما انتهيا إليه قص آدم عليه السلام عليه قصته فأخذ روح القدس ضغثا من نار فرمى به عليهما (أي على القضيبتين) والعنب في أغصانهما حتى ظن آدم أنه لم يبق منهما شئ، وظن إبليس مثل ذلك، قال: فدخلت النار حيث دخلت، وقد ذهب منهما ثلثاهما وبقي الثلث، فقال الروح: أما ما ذهب منهما فحظ إبليس، وما بقي فلك يا آدم " (1) فإن الظاهر منها أن التثليث مطلقا موجب للحلية، لأن إحراق نفس القضيبتين إنما هو لتعيين حظ آدم وإبليس، وهو غير