يستعين بمقدمات عقلية وقياسات منطقية ليستفيد منها الرأي الكلي.
فالمشاهدات - وكذلك المتواترات - تصلح لأن تكون مبادئ يقتنص منها التصورات الكلية والتصديقات العامة، بل لولا تتبع المشاهدات لم نحصل على كثير من المفاهيم الكلية والآراء العلمية، ولذا قيل: " من فقد حسا فقد علما " وتفصيل هذه الأبحاث يحتاج إلى سعة من القول لا يساعد عليه هذا الكتاب.
2 - أن تكون العلة الخارجة هي القياس المنطقي. وهذا القياس على قسمين:
القسم الأول: أن يكون حاضرا لدى العقل لا يحتاج إلى إعمال فكر، فلابد أن يكون معلوله - وهو اليقين بالنتيجة - حاضرا أيضا ضروري الثبوت. وهذا شأن المجربات والحدسيات والفطريات التي هي من أقسام البديهيات، إذ قلنا سابقا: إن المجربات والحدسيات تعتمد على قياس خفي حاضر لدى الذهن، والفطريات قضايا قياساتها معها. وإنما سميت " ضرورية " لضرورة اليقين بها بسبب حضور علتها لدى العقل بلا كسب.
وإلى هنا انتهى بنا القول إلى استقصاء جميع البديهيات الست - التي هي أساس البراهين وركيزة كل تفكير ورأس المال العلمي لتاجر العلوم - وإلى استقصاء أسباب اليقين بها.
فالأوليات علة يقينها من الداخل، والمشاهدات والمتواترات علتها من الخارج وهي الآلة الحاسة، والثلاث الباقية علتها من الخارج أيضا وليست هي إلا القياس الحاضر.
القسم الثاني: أن لا يكون القياس حاضرا لدى العقل، فلابد للحصول على اليقين من السعي لاستحضاره بالفكر والكسب العلمي، وذلك بالرجوع إلى البديهيات (وهذا هو موضع الحاجة إلى البرهان) فإذا حضر هذا القياس انتظم البرهان إما على طريق اللم أو الإن. فاستحضار علة