تذكرة أولى الألباب - الشيخ داود الأنطاكي - ج ٢ - الصفحة ٤٦
لبطلان الشهوة مطلقا لا من المعدة خاصة لعموم البرد والذي أراه أن السبب المذكور جزء علة وتمامه أن يتقدم البرد المذكور تناول ما يسخن الأعضاء غائصا في الأعماق كالفلفل والصبر وغالب الباهيات ثم تتكثف المسام بالبرد المذكور فينحل الغذاء بما احتقن أو تبرد المعدة وحدها كذلك كأن يكثر أكل اللبن أو يتقدم تناول نحو النيدة المشهورة بمصر فتسد المسام ثم يشرب عليها أو يأخذ لطيفا باردا فيكون المرض المذكور هذا هو الحق ولقد شاهدنا من أكل الدهن المسلى ثم شرب البطيخ فبردت معدته فجأة مع حرارة باقي الأعضاء (وعلامته) هزال لعدم الاستمراء والعجز عن تصرف الغذاء فيبدل ما انحل وسقوط الشهوة وبرد المعدة بالفعل وفتور النبض ودقته وقصره وصلابته واستيلاء الغشى وذلك لتحلل القوى وغور الحرارة لا لقلة الغذاء كما قاله النفيسي وإلا لقارن العلة وقد يكون الغشى لاستيلاء البرد فيعدم الحس وربما كانت هذه العلة عن كثرة استفراغ الاخلاط الحارة وعن انصباب البلغم إلى فم المعدة وعن ضعف الشهوة بسبب الحرارة أيضا. وعلامة الأول تقدم فصد أو شرب نحو السقمونيا والثاني الجشاء الحامض والدخاني وفساد الغذاء والثالث وجود الحرارة وسرعة النبض وتخالفه مع الخفقان (العلاج) أما حال الغشى فالأخذ في الإفاقة برش الماء البارد ونتف الشعر وتغريز الإبر ونحو الطبول والآلات الرقيقة الصوت لشدة سريانها كالسنطير أو لكونها هوائية تسبق إلى طرق الدماغ كالقصب والتضميد والاستنشاق بالطيوب خصوصا المسك وكثيرا ما تنفع المعطسات المطيبة كالفلفل مع النسرين وأما بعده فبالكعك إذا حل في الشراب الريحاني وماء الورد والريباس والتفاح والسفرجل والرمان ممزوجة بطاقات النعنع وقد يعقد من هذه أشربة مع ماء الليمون وطالما نبهنا الشهوة في هذه العلة بتقوية اللحم وشيه ودفع هوائه بالمراوح إلى أنف العليل وقد يجعل من المياه المذكورة أو بعضها طعام، ومن المجرب أن يمزج السماق والليمون والكزبرة والعود وقشر الأترج ويستعمل على اللحوم وغيرها وأن تضمد المعدة بالصندل والعود والسذاب والعنبر وقد تشد فيه الأطراف ويغسل الوجه بماء الخلاف والورد والآس [برد] لم يرسمه كثير من الأطباء استقلالا وإنما يؤخذ من قولهم في المفردات ينفع من شقوق البرد ونحو ذلك والمراد هنا أثره لا ذاته، والبرد تارة يكون مع الهواء فتشتد نكايته لسريانه في الأعضاء وتارة يكون مع سكونه فلا ينكى إلا ظاهر البدن وكل إما ليلى أو نهاري وكل إما مطروح فيه شعاع كوكب حار أولا وكل إما شتائي أو ربيعي أو ضدهما وكل إما لاحق بالمزاج أو السن الباردين في بلد كذلك أولا فهذه أقسامه ولا شبهة أن المضاد منه لأسباب الحرارة مطلقا أشد نكاية وأعسر علاجا والعكس وبينهما مراتب كثيرة وهو يؤذى بالتكثيف فإن كان المزاج باردا انتكى بالسرعة وإلا سخن أولا ثم برد لانحلال الغريزية كما يقع لمن يتناول نحو الأفيون وهذا النوع قد لا يعود صاحبه إلى المجرى الطبيعي لما أثبتنا في القواعد من أن القليل الدائم أقوى من عكسه. واعلم أن البرد يغير اللون ويكرج البشرة والتمادي منه يسقط الشهوة لطفء الحرارة ويجمد الدم ويمنع الشعر أو يضعفه وأمراضه كثيرة كالتشقيق والرعدة والفالج والتشنج والجمود وحاصل ما يدفعه عن البدن كل حار يابس بالفعل والقوة أكلا وبخورا ودهنا ولبس مامن شأنه ذلك أيضا وينبغي التحفظ منه في كل مكان لطف هواؤه كمصر وبعد فعل هيأ العروق للقبول كحمام وجماع كما ذكر لا باصطلاء النار أولا فربما أسقطت العضو لتحليلها ما بقى وفسد بل ينبغي التدثير بالفراء وثياب الصوف والشعر ولا شئ أشد تسخينا من السمور ومن ناله ألم البرد وجلس في الزبل ثابت إليه حرارته الغريزية خصوصا زبل الخيل والبخور بالشمع والعود والذريرة يمنعه مجرب وأكل الثوم والجوز
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الباب الرابع في تفصيل أحوال الأمراض الخ 2
2 حرف الألف 8
3 فصل في حال الدليل 24
4 فصل في أحكام القرآن 31
5 فصل في ذكر ما يومى اليه الكسوف والخسوف من الدلالة الخ 32
6 فصل في تقرير المبادي ووجه التعلق باستخراج الضمائر وارتباط العوالم الخ 33
7 فصل في خصوصيات الأدلة باعتبار الكواكب 35
8 فصل في أحوال الضمير والخلاف فيه 35
9 حرف الباء 38
10 الفصل الأول في صفة البيطار 51
11 الفصل الثاني في آلاته 51
12 الفصل الثالث في موضوع هذه الصناعة ومباديها وما يجب أن يعرفه الخ 52
13 الفصل الرابع فيما يختار منها وذكر عمرها وما يستدل به على سنها وغير ذلك 52
14 فصل ولما كان التشريح من أهم ما يجب أن يعرفه الطبيب قبل طب الإنسان الخ 3 5 فصل في الأخلاق السيئة في الحيوان الخ 54
15 فصل في ذكر أشياء تجري مجرى الفراسة من الإنسان الخ 55
16 فصل وإذ قد فرقنا من جزء العلم في هذه الصناعة فلنقل في عملها ما فيه كفاية الخ 56
17 فصل في علاج سمومها وذكر ما زاد على الإنسان 60
18 فصل في المختار من أدوية العين الخ 60
19 خاتمة تشتمل على ذكر ما يجري هنا مجرى الجزئيات من طب الإنسان 60
20 حرف الجيم 70
21 فصل ينبغي لمن أراد التلذذ به الميل بأغذيته إلى الحار الرطب الخ 72
22 (جغرافيا) 87
23 حرف الدال 91
24 حرف الهاء 101
25 هندسة 104
26 فصل في السطوح 106
27 فصل في الأشكال 106
28 فصل قد تقرر في قاطيغوريا أن السطح الخ 106
29 حرف الواو 110
30 حرف الزاي 114
31 حرف الحاء 121
32 فصل في ذكر الأدوية الموجبة للحبل 145
33 حرف الطاء 150
34 (طلسمات) 154
35 فصل في تشعبات أهل هذه الصناعة 156
36 فصل في الشروط الخاصة ملتقطة من كلام الرازي 157
37 فصل فيما يخص كل كوكب وبرج الخ 157
38 فصل في الأعمال وتدريجها إلى الكمال 160