تعطير الأنام في تعبير المنام - الشيخ عبد الغني النابلسي - ج ٢ - الصفحة ٢٧٦
الصفات إدراك للمثال ومعنى قوله فسيراني تفسير ما رأى لأنه حق وغيب وقوله فكأنما رآني أي أنه لو رآني يقظة لطابق ما رآه نوما فيكون الأول حقا وحقيقة والثاني حقا وتمثيلا هذا إن رآه بصفته المعروفة وإلا فهو مثال فان رآه مقبلا عليه مثلا فهو خير للرائي وعكسه بعكسه ومنهم القاضي عياض رحمه الله تعالى حيث قال قوله: فقد رآني أو فقد رأى الحق يحتمل أن المراد به أن من يراه بصورته المعروفة في حياته كانت رؤياه حقا ومن رآه بغير صورته كانت رؤياه تأويلا وتعقبه النووي رحمه الله تعالى فقال هذا ضعيف بل الصحيح أنه رآه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها. وأجاب عنه بعض الحفاظ بأن كلام القاضي عياض لا ينافي ذلك بل ظاهر كلامه أنه رآه حقيقة في الحالين لكن في الأول لا تحتاج تلك الرؤيا إلى تعبير وفى الثانية تحتاج إليه ومنهم الباقلاني وغيره فإنهم ألزموا الأولين بأن من رآه بغير صفته تكون رؤياه أضغاثا وهو باطل إذ من المعلوم أنه يرى نوما على حالته اللائقة به مخالفة لحالته في الدنيا ولو تمكن الشيطان من التمثيل بشئ مما كان عليه أو ينسب إليه لعارض عموم قوله: فان الشيطان لا يتمثل بي، فالأولى تنزيه رؤياه ورؤيا شئ مما ينسب إليه إلى ذلك فإنه أبلغ في الحرمة وأليق بالعصمة كما عصم من الشيطان في اليقظة فالصحيح أن رؤياه في كل حال ليست باطلة ولا أضغاثا بل هي حق في نفسها وإن رؤى بغير صفته إذا تصور تلك الصورة من قبل الله تعالى فعلم أن الصحيح بل الصواب كما قاله بعضهم أن رؤياه حق على أي حالة فرضت ثم إن كانت بصورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهولته أو آخر عمره لم تحتج إلى تأويل وإلا احتيجت لتعبير يتعلق بالرائي ومن ثم قال بعض علماء التعبير من رآه شيخا فهو غاية سلم، ومن رآه شابا فهو غاية حرب ومن رآه متبسما فهو متمسك بسنته، وقال بعضهم من رآه على هيئته وحاله كان دليلا على صلاح الرائي وكمال جاهه وظفره بمن عاداه، ومن رآه متغير الحال عابسا كان دليلا على سوء حال الرائي
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»
الفهرست