الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤٥٣
والأقيشر هو الذي وضع مبادئ الزندقة في شعره. وأعلن أنه يشرب الخمر على المنبر. ويقف على الناس خطيبا. لا ليبصرهم بشؤون دينهم. ولا ليحثهم على مكارم الأخلاق. وإنما ليقلب لهم الأوضاع الدينية والأخلاقية والاجتماعية (58). وإذا كان الأقيشر قد اكتفى بإلقاء الشعر وتربية أجيال عليه.
فإن (حنين الحيري) وكان معاصرا للأقيشر. قد قام بتوسيع، هذه الدائرة.
وخاصة إنه كان يجمع بين الشعر والغناء. وحنين الحيري كان يتخير لشعره الأوزان الخفيفة القصيرة والسريعة الانتشار. وكان يتجنب الأوزان الطويلة الضخمة ليكون شعره صالحا للتحين والغناء. وهذا الاتجاه الموسيقي ازداد اتجاه الشعراء خلفه. وبخاصة شعراء اللهو. حتى أصبح بدعا فنيا بينهم. وسمة من السمات المميزة لفنهم (59) وحنين في عالم بني أمية صاغ منهجه بوضوح يقول الدكتور يوسف خليفة: عندما بدأ في نشر رسالته اللاهية التي زينها للناس. بدأ وكأنه يقول لهم: هذه هي حياتي فهل تحبون أمثالها. إنه نداء غير مباشر إلى حياة تقوم على المتعة المتحررة. وما من شك في أن هذا النداء وأمثاله كان يؤثر في نفوس الكثير من الشباب. ويخلب ألبابهم ويلفت أنظارهم إلى أن الحياة تشيع فيها البهجة والمتعة. وتسيل الخمر بين أيدي الندامى في ظلال الطبيعة. وفعلا استجاب كثير من الشباب إلى هذا النداء الساحر. الذي يوقعه مغنيهم على قيثارته. ومضوا يغرقون همومهم في هذه الحياة الصاخبة المعربدة. لعل رنين كؤوسها وصخب سكارها ينسيهم أنين الجرحى وعويل الثكالى - في العهد الأموي - ومضى التيار في ترفعه ورياح المجتمع الجديد تدفعه. والناس من حوله يغرقون أنفسهم وفنهم فيه (60).
لم يكن هذا يحدث في بقعة واحدة من خيمة بني أمية. إنما كان يحدث في بقاع شتى. يقول صاحب حياة الشعر: فالأديرة كانت مقصدا لطلاب الخمر من المسلمين. ويتاح لهم فيها حظ كبير من الحرية والشراب واللهو مع من

(58) حياة الشعر: 597 الشعر في الأغاني: 11 / 268، 269.
(59) حياة الشعر: 599.
(60) حياة الشعر: 598.
(٤٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 448 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 ... » »»
الفهرست