الإمامة وأهل البيت - محمد بيومي مهران - ج ٣ - الصفحة ٧٩
ويروي الشعبي (أبو عامر بن شرحيل 19 - 103 ه‍ / 640 - 721 م) أنه كان بواسط، فحضر صلاة العيد مع الحجاج الثقفي، فدعاه وقال له: هذا يوم أضحى، وقد أردت أن أضحي برجل من العراق، وأحب أن تسمع لقوله، لتعلم أني أصيب الرأي فيما أفعل، فقلت: أيها الأمير، كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، يضحي بكبش، فاستن أنت بسنته (صلى الله عليه وسلم)، قال: إذ سمعت ما يقول صوبت رأيي، فلما أحضروه، فإذا هو " يحيى بن يعمر " (1) فاغتممت غما شديدا ثم قال له الحجاج: أنت فقيه أهل العراق، قال: أنا من فقهائهم. قال الحجاج: كيف زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال يحيى: ما أنا بزاعم ذلك، بل قائله بحق، قال الحجاج: وأي حق، قال يحيى: كتاب الله نطق بذلك، قال: لعلك تريد قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) (2)، وأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج للمباهلة، ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة (3)، قال يحيى: وإنها والله حجة بليغة (4)، ولكني مع ذلك لا أحتج بها.

(١) هو أبو سعيد يحيى بن يعمر العدواني النحوي، كان تابعيا، لقي ابن عباس وابن عمر وغيرهما، وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي، وروى عن قتادة وإسحاق بن سويد، وهو أحد قراء البصرة، وكان عالما بالقرآن والنحو ولغات العرب، وتولى القضاء في " مرو "، وكان ينطق العربية المحضة، واللغة الفصحى طبيعية فيه من غير تكلف، وكان شيعيا من القائلين بتفضل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم، توفي عام ١٢٨ ه‍ أو ١٢٩ ه‍، وأما أهم مصادر ترجمته (وفيات الأعيان ٦ / ١٣٧ - ١٧٦، شذرات الذهب ١ / ١٧٥ - ١٧٦، معجم الأدباء ٢٠ / ٤٢، غاية النهاية ٢ / ٣١٨، مرآة الجنان ١ / ٢٧١، تهذيب التهذيب ١١ / ٣٠٥، بغية الوعاة ص ٤١٧، النجوم الزاهرة ١ / ٢١٧، أخبار النحويين البصريين ص ٢٢ طبقات الزبيدي ص ٢٢).
(٢) سورة آل عمران: آية ٦١.
(٣) أنظر: صحيح مسلم ١٥ / ١٧٦، صفوة التفاسير ١ / ٢٠٦، تفسير القرطبي ١٣٤٥ - ١٣٤٧، تفسير ابن كثير ١ / ٥٥٥، المستدرك للحاكم ٢ / ٥٩٣ - ٥٩٤.
(٤) قال الزمخشري في الكشاف في تفسيره لآية المباهلة هذه (آل عمران: آية ٦١) أنه ليس هناك من دليل أقوى من هذا على فضل أصحاب الكساء، وهم علي وفاطمة والحسن والحسين، عليهم السلام، لأن الآية لما نزلت دعاهم النبي (صلى الله عليه وسلم)، فاحتضن الحسين، وأخذ بيد الحسن، ومشت فاطمة خلفه، وعلي خلفهما، وهو يقول: أنا إذا دعوت فأمنوا، فقال الأسقف: يا معشر النصارى إني لأرى وجوها، لو شاءت أن يزيل الله جبلا من مكانه، لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، وصالحوه على الجزية.
ثم يقول الزمخشري: وخص الأبناء والنساء بالمباهلة، لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وفيه دليل على أن أولاد فاطمة، عليها السلام، وأبناءهم يسمون أبناء النبي، وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة.
وقال الرازي في التفسير الكبير: إن آية المباهلة دالة على أن الحسن والحسين كانا ابني النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلقد وعد النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يدعو أبناءه، فدعا الحسن والحسين، فوجب أن يكون ابنيه.
وقال جواد مغنية: أن السنة والشيعة اتفقت على أن المراد بأنفسنا في الآية: النبي (صلى الله عليه وسلم)، وعلي بن أبي طالب وبنسائنا فاطمة، وبأبنائنا: الحسن والحسين.
وقال السيد المرتضى: إن آية المباهلة تدل على أن ابن البنت ابن حقيقي، وحتى لو لم يكن كذلك، بالقياس لغير النبي (صلى الله عليه وسلم) فإن الحسن والحسين هما ابنا سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حقيقة، وهذا خاص بالنبي (صلى الله عليه وسلم) بنص القرآن والسنة واستعمال الناس جميعا، وفي صحيح البخاري أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال عن الحسن: ابني هذا سيد.
وقال ابن قيم الجوزية: إن المسلمين مجمعون على دخول أولاد فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم) المطلوب لهم من الله الصلاة، لأن أحدا من بناته لم يعقب غيرها، فمن انتسب إليه (صلى الله عليه وسلم) من أولاد بنته، فإنما هو من جهة فاطمة، رضي الله عنها، خاصة، ولهذا قال النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحسن ابن ابنته " إن ابني هذا سيد " فسماه ابنه، ولما نزلت آية المباهلة (آل عمران: آية ٦١) دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) فاطمة وحسنا وحسينا وعليا رضي الله عنهم، وخرج للمباهلة.
ثم يقول: وأما دخول فاطمة رضي الله عنها في ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلشرف هذا الأصل العظيم، والوالد الكريم، الذي لا يدانيه أحد من العالمين، سرى ونفذ إلى أولاد البنات، لقوته وجلالته وعظم قدره. (صحيح البخاري ٣ / 243، 5 / 32، تفسير الكشاف 1 / 147 - 148)، ابن قيم الجوزية: جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ص 150 - 153 (القاهرة 1972)، محمد جواد مغنية: فضائل علي ص 15 - 20).
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تقديم 7
2 الباب الرابع الأئمة خلفاء الإمام علي بن أبي طالب تقديم 9
3 1 - الإمام محمد الباقر 17
4 1 - نسب الإمام الباقر ومولده 17
5 2 - الإمام الباقر والإمامة 21
6 3 - الإمام الباقر وأهل السنة 24
7 4 - الإمام الباقر والشيعة 28
8 5 - الإمام الباقر والمعتزلة 30
9 6 - الإمام الباقر والصوفية 32
10 7 - الإمام الباقر والصديق والفاروق 34
11 8 - الإمام الباقر والإمام أبو حنيفة 42
12 9 - الإمام الباقر وقريش 46
13 10 - علم الإمام الباقر 50
14 11 - الإمام الباقر وقضية الجبر والاختيار 59
15 12 - من أقوال الإمام الباقر 61
16 13 - الإمام الباقر والعلم 66
17 14 - من كرامات الإمام الباقر 66
18 15 - تواضع الإمام الباقر وزهده 67
19 16 - صفة الإمام الباقر وملبسه 70
20 17 - أولاد الإمام الباقر 71
21 2 - الإمام موسى الكاظم 72
22 1 - نسب الإمام الكاظم ومولده 72
23 2 - الإمام الكاظم والشيعة 74
24 3 - الإمام الكاظم عند أهل السنة 74
25 4 - الإمام الكاظم والمهدي العباسي 77
26 5 - الإمام الكاظم وهارون الرشيد 78
27 6 - من مرويات الإمام الكاظم 92
28 7 - من أقوال الإمام الكاظم 93
29 8 - من كرامات الإمام الكاظم 95
30 9 - من كرم الإمام الكاظم 102
31 10 - من آثار الإمام الكاظم 103
32 11 - أولاد الإمام الكاظم 103
33 3 - الإمام علي الرضا: - 104
34 1 - نسب الإمام الرضا ومولده 104
35 2 - الإمام الرضا والإمامة 105
36 3 - الإمام الرضا والرشيد 107
37 4 - الإمام الرضا والمأمون 108
38 5 - الإمام وولاية العهد 112
39 6 - وفاة الإمام الرضا 129
40 7 - موقف الخليفة المأمون من الإمام علي 132
41 8 - الإمام الرضا والتصوف 147
42 9 - من مرويات الإمام الرضا 152
43 10 - من أقوال الإمام الرضا 154
44 11 - من كرامات الإمام الرضا 157
45 12 - أولاد الإمام الرضا 165
46 4 - الإمام الجواد: - 166
47 1 - نسبه ومولده 166
48 2 - الإمام الجواد والإمامة 167
49 3 - الإمام الجواد والمأمون 174
50 4 - الإمام الجواد والمعتصم 178
51 5 - من مرويات الإمام الجواد 178
52 6 - من أقوال الإمام الجواد 179
53 7 - من كرامات الإمام الجواد 182
54 8 - أولاد الإمام الجواد 184
55 5 - الإمام علي الهادي: - 185
56 1 - نسبه ومولده 185
57 2 - الإمام علي الهادي والمتوكل 188
58 3 - من كرامات الإمام علي الهادي 198
59 4 - من مرويات الإمام علي الهادي 200
60 5 - من أقوال الإمام علي الهادي 200
61 6 - الإمام الحسن العسكري 202
62 1 - نسبه ومولده 202
63 2 - من مناقب الإمام العسكري 203
64 3 - من تفسيره للقرآن الكريم 205
65 4 - من كرامات الإمام العسكري 206
66 5 - من أقوال الإمام العسكري 210
67 6 - دور الإمام العسكري في الإمامة 211
68 7 - الإمام المهدي المنتظر 216