الكتاب المقدس - مجمع الكنائس الشرقية - الصفحة ٢٨٤
هي أيضا الإنجيل الرابع. فكلاهما يحتويان على ثنائية بارزة في الحقلين الديني والأخلاقي كما يعبر عنها التضادان " نور - ظلمات " و " حق - كذب ". وأنصار كليهما يقولون بأن جماعتهم تفتتح الأزمنة الأخيرة، وهم يجتهدون في استكشاف ما في تعليمات العهد القديم من معنى خفي. وكلاهما يجعلان أهمية كبرى لمعلم المذهب ويشددان على دور روح الحق أو المؤيد.
ولكن، إلى جانب تلك الميزات المشتركة، هناك فوارق كثيرة بين الجماعتين، لأن جوهما يختلف.
فيوحنا بعيد عما في بعض نصوص قمران من عقلية رؤيوية بعده عما يراعى فيها من تمسك بالشريعة إلى حد الغلو. وعمل يسوع يختلف كذلك كل الاختلاف عن عمل معلم البر أو عن مشيحيي الشيعة. أجل، من الممكن أن ننتبه إلى ما في الجماعتين من تماثل العبارات والشواغل، غير أن النزعة الإجمالية تختلف اختلافا جوهريا.
3) الغنوصية: وأخيرا فمنذ قرنين يحاول بعضهم أن يحددوا مكان هذا الإنجيل بالنسبة إلى التيارات الغنوصية. من المعلوم أن الغنوصية كانت تبدو على العموم تعليما سريا يحمل الذين تلقوا أصوله، بعد القيام ببعض أعمال تطهير النفس، على الانفتاح للخلاص بالاطلاع على الحقائق الدينية الكبرى أو بانخطاف النفس. وكانت تلك المذاهب تبعث على نفور شديد من الأمور المادية أو الجسدية وتعدها هي والشر شيئا واحدا. إننا على علم بالنزاعات الغنوصية من بعض النصوص المؤلفة بعد القرن الأول والمكتوبة إما في إطار هليني طرأ عليه كثير أو قليل من التأثيرات الشرقية، وإما في إطار مسيحي. فقد يكون أن يوحنا استعمل بعض الألفاظ التي كانت شائعة في تلك البيئات، ولكن في معنى مسيحي كله جديد.
4) طرافة يوحنا: عاش يوحنا في ملتقى كبار التيارات الفلسفية والدينية التي عرفت في زمانه، في إحدى العواصم التي كان يلتقي فيها الفكر اليوناني والصوفية الشرقية والتي كانت تتعدد فيها وجوه اليهودية وتنفتح للتأثيرات الخارجية. ومع كل ذلك فلا ينبغي أن نغفل أصالة فكره العميقة، علما بأن هذا الفكر يتصل خاصة بما للجماعات المسيحية التي ينتمي إليها يوحنا من حياة وكلام. فهو يستند قبل كل شئ إلى الأحداث الأساسية ويستفيد مما في المحاولات اللاهوتية المسيحية الأولى من بحوث تعبيرية كثيرة: فهناك عدة صلات برسائل بولس ولا سيما برسائله من السجن وبالوثائق التي يربطها التقليد بأفسس. وكان يوحنا مطلعا على نصوص طقسية شتى.
ومع ذلك فإن هذا التأصل في بيئة زمانه المسيحية لم يحل دون أن يقوم الإنجيلي بعمل مبتكر إلى حد بعيد نضج طويلا وكان متحررا كل التحرر عن مختلف التيارات التي عرفها وقدر شأنها. فقد أعيد النظر في كل شئ وجدد فهمه ليؤلف رواية متشعبة ومع ذلك بسيطة لحقيقة يسوع وعمله، ليسوع المسيح ابن الله (20 / 30).
[الإنجيل الرابع والتاريخ] قام جدل من أوائل القرن التاسع عشر في قيمة إنجيل يوحنا التاريخية، ولكن البحوث الحديثة، بعد أخذ ورد طالا مدة من الزمن أيدت ما للإنجيل الرابع من قيمة من هذه الجهة أيضا. أول ما
(٢٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة