الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ١٤
بوخزات مؤلمة، ثم تدفق العرق غزيرا، لأني جاملت في الحق آدميين، وكان يجب علي نصر الحق، ولو أغفلت هذه المجاملة لهؤلاء الفانين، ولكن في الوقت نفسه اغتبطت وطرب قلبي، لأني بهذا التألم برهنت لي نفسي على أني من المؤمنين الصادقين!
ولقد اهتدى الأعرابي بفطرته السليمة للتوحيد فقال: " البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، كيف لا تدلان على اللطيف الخبير؟! " فالبعد عن مقتضى الفطرة السليمة، والجهل، هما اللذان يدفعان غير المسلم إلى الكفر والإشراك بالله، ولقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان الأول وألقى في غريزته عبادته، حتى إذا ما ابتعد الناس عن منشأهم وكثرت أكاذيب الرواة، فسد الاعتقاد بالله على قدر فساد المدارك، فأصبحوا يعبدون ما ظهر لأعينهم، ونحتوا الأصنام بأيديهم وكانوا يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى، فنشأت عن ذلك الوثنية، وابتعد بها الإنسان عن عبادة الخالق الواحد الأحد، فأرسل سبحانه وتعالى للناس رسله لهدايتهم وإنارتهم وإخراجهم من الضلال!
(2) ولوحظ أنه حتى في عهود الوثنية، كانت تأتي للناس فكر توحيدية، وكان بهم حنين حتى وهم غارقون في ضلالهم، لبصيص من نور الهدى!!
فنجد مثلا (أمين حوتب الرابع) أو (أمينوفيس) المعروف باسم (خوان اتن) الضوء الموجود في قرص الشمس، تولى عرش الفراعنة سنة 1375 قبل الميلاد يقول وهو في الثامنة عشرة من عمره " إن الله واحد لا شريك له في ملكه، وجميع خلقه إخوة "، وأنكر تعدد الآلهة وأزال أسماءها من على الآثار، وأقام مكانها إلهه الواحد (اتن)!
هجر طيبة وابتنى مدينة الأفق (تل العمارنة) واتخذها كرسي ملكه وجعل من هيكلها مشرعا لدينه الجديد، ولم يضع فيه صورة ولا تمثالا، لأن الله في عرفه أجل من أن يصور أو يمثل بشئ، وإن يكن قد وضع في هيكله صورة قرص الشمس تمتد منها أشعة تنتهي بأيد بشرية مشيرة إلى أنها القوة التي تبعث
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»