بتلويحاتها الصدور وأظنك لا تدري بغرضها ومرماها.
هل تدري بأن أول غرض يرمونه بهذا الكلام هي مسألة الإلهية.
دع هذا ولكن لنخض معك في كلامك.
لماذا لا تدري أن الصواب والخطأ، والعلم والجهل المركب والاستقامة والخبط لا تأتي من ناحية الحقيقة وكونها مادية كبيرة أو صغيرة أو حقيقة روحية وإنما تأتي تلك الأمور من ناحية الادراك وجهات الاستعداد وقصوره ومعرفة ميزانيته والجهل بها ومعرفة حدوده والجهل بها وتدخل الأحوال المقارنة في إثارة غبار الأوهام دون الحقائق حسبما يسنح لها. وقد أشير إلى شئ من ذلك وأمثاله في كتاب أنوار الهدى (1) ونزيدك ههنا شيئا من الأمثال يشمخ الجبل العالي في مكانه وضعيف البصر لا يراه من قرب. وبعض صحاح العيون يحسبونه من البعد غمامة أو دخانا.
تراه يخفى إذا حال دونه الغبار والبخار ويظهر إذا صفا الجو وتتجلى مظاهره إذا اكتنفه النور وإن كان البعد في هذه الأحوال واحدا وميزان البصر متحدا..
لا تدرك المكروبات بالنظر المجرد ولا بالنظارات المكبرة التي تقصر ميزانيتها عن تمثيلها للعيون ولكنك إذا حققت ميزانية المكبرة وصلاحيتها لتمثيل هذه الحقيقة واستعملتها حسب ناموسها ترى المكروبات بصفاتها وأوضاعها عالما كبيرا فتعرف وجودها.. لا تدرك القوة الكهربائية المحركة بحس أصلا وإنما تدرك أعمالها وتعرف مقاديرها بمعرفة ميزانية الموصلات كالفضة والنحاس الأحمر والحديد والزيبق ونحوها.