وجود العالم بعد العدم عند الإمامية - السيد قاسم علي الأحمدي - الصفحة ١٨٩
بحيث واحد بالحقيقة.
وصريح الكتاب ومذهب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هو إنشاؤه تعالى الخلق وإبداؤه مقتدرا على ذلك ومتمكنا منه، ولا دليل للصدور الذي ذكروه من محكمات الكتاب وقطعيات السنن وضرورة العقول القويمة. إنتهى كلامه.
أقول: تحصل من الأدلة التي أثبتنا بها حدوث العالم - بمعنى مسبوقية جميع ما سوى الله سبحانه بالعدم - سقوط ما استدل به الفلاسفة وأتباعهم وبطلان مبانيهم ومعتقداتهم في ما يلي:
1 - ما ذكروه في باب المبدء، من أنه تعالى بنفس ذاته المتعالية ووجود الأزلي علة تامة لما سواه.
2 - ما قرروه في باب العلم من أنه تعالى فاعل بالعناية، بمعنى أنه يكفي في صدور الأشياء علمه تعالى بها، كما أن من غريب ادعاءاتهم قولهم بأن العلم له شأنية العلية لإيجاد الأشياء.
3 - ما نصوا عليه في باب القدرة والمشية والإرادة من أنها هي العلم لا غير.
4 - ما أثبتوه في باب الحدوث من أن الشئ الحادث المسبوق بالعدم لابد أن يكون مسبوقا بمادة أو مدة.
5 - ما أسسوه في باب التوحيد من أن وجوده تعالى عين وجود خلقه.. (1) إذ لو كانت الموجودات عين الحق، فلا معنى لمسبوقيتها بالعدم

(١) قال الملا صدرا: الموجود والوجود منحصرة في حقيقة واحدة شخصية لا شريك له في الموجودية الحقيقية، ولا ثاني له في العين، وليس في دار الوجود غيره ديار. وكلما يتراءى في عالم الوجود أنه غير الواجب المعبود فإنما هو من ظهورات ذاته، وتجليات صفاته التي هي في الحقيقة عين ذاته، كما صرح به لسان العرفاء بقوله: فالمقول عليه سوى الله أو غيره أو المسمى بالعالم فهو بالنسبة إليه تعالى كالظل للشخص، فهو ظل الله... وإذا كان الامر على ما ذكرته فالعالم متوهم ما له وجود حقيقي.. (الأسفار: ٢ / ٢٩٢) وقال: إعلم أن واجب الوجود بسيط الحقيقة غاية البساطة، وكل بسيط الحقيقة كذلك فهو كل الأشياء، فواجب الوجود كل الأشياء لا يخرج عنه شئ من الأشياء.. (الأسفار:
٢ / ٣٦٨) وقال: إن المسمى بالعلة هو الأصل، والمعلول شأن من شؤونه وطور من أطواره، ورجعت العلية والإفاضة إلى تطور المبدأ الأول بأطواره، وتجليه بأنواع ظهوراته.. (المشاعر: ٨٣ وانظر: الأسفار: ٢ / ٣٠٠ - ٣٠١) وقال: الثابت بالبرهان والمعتضد بالكشف والعيان، أن الحق موجود مع العالم ومع كل جزء من أجزاء العالم، وكذا الحال في نسبة كل علة مقتضية بالقياس إلى معلولها.. (الأسفار:
٧ / ٣٣١) وقال أيضا - في شرح الكافي، في شرح الحديث الأول من باب جوامع التوحيد: إعلم أن ذاته تعالى حقيقة الوجود بلا حد، وحقيقة الوجود لا يشوبه العدم، فلا بد أن يكون بها وجود كل الأشياء، وأن يكون هو وجود الأشياء كلها.. وغيرها من الموارد. (راجع الأسفار ٢ / ٣٣٩، ٣٤١ - ٣٤٢، ٣٤٥، ٣٦٧ و ٦ / ١١٦ - ١١٧، و..) وقال محيي الدين ابن العربي: إن العارف من يرى الحق في كل شئ، بل يراه عين كل شئ.. (شرح فصوص الحكم الفص الهاروني: ٤٣٧ ط قم، بيدار) وقال: سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها.. (الفتوحات ٢ / ٦٠٤) وقال: وما خلق تراه العين إلا عينه حق.. أي ليس خلق في الوجود تشاهده العين إلا وعينه وذاته عين الحق الظاهرة في تلك الصورة، والحق هو المشهود، والخلق موهوم.. (شرح فصوص الحكم: ٢٤٤ ط قم، بيدار) وقال: والعارف المكمل من رأى كل معبود مجلي للحق يعبد فيه، ولذلك سموه كلهم مع اسمه الخاص بحجر أو حيوان أو إنسان أو كوكب أو ملك أو فلك.. (شرح فصوص الحكم في الفص الهاروني: ٤٤٢ ط قم، بيدار) وقال: فما وصفناه إلا كنا نحن ذلك الوصف... فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، لأن ذواتنا عين ذاته، لا مغايرة بينهما إلا بالتعين والإطلاق، وإذا شهدنا - أي الحق - شهد نفسه أي ذاته التي تعينت وظهرت في صورتنا. (شرح فصوص الحكم: ٨٥ ط قم، بيدار).
وقال: فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصور المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة، فما عبد غير الله في كل معبود.. (شرح فصوص الحكم: ١٤٢ ط قم، بيدار) .. هذا وغيرها من العقائد الفاسدة كما لا يخفى على من لاحظ الفصوص والفتوحات.
أقول: إن هذا الاعتقاد - أي القول بوحدة الوجود والموجود وأن في دار التحقق ليس إلا حقيقة واحدة وموجود واحد وهو الوجود - لا ريب في بطلانها وفسادها عند الإمامية كما صرح به العلامة الحلي (في نهج الحق: ٥٧) والعلامة المجلسي (في عين الحياة: ١ / ٧٨ الأصل الثاني) والمحقق الأردبيلي (في حديقة الشيعة: ٥٧٥) والشيخ حسن ولد الشيخ علي بن عبد العالي الكركي (عنه في الإثنا عشرية: ٥١) والشيخ الحر العاملي (في الإثنا عشرية: ٥٩) والفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء (في كشف الغطاء: ١٧٣) والعلامة البهبهاني (في خيراتية ٢ / ٥٧ - ٥٨) والشيخ عبد النبي العراقي (في المعالم الزلفى ١ / ٣٥٧) وصاحب العروة والمستمسك والمهذب وتعليقة إحقاق الحق وغيرهم من الأعلام (قدس سرهم).
وهذا الاعتقاد مخالف لضروريات الأديان، والعقل، والفطرة السليمة، والوجدان، ويستلزم ارتكاب التأويل في نصوص الآيات والروايات بما لا يساعده الفهم العرفي، ولذا تمسكوا لإثبات مرامهم بالمتشابهات التي دلت على خلافها محكمات الكتاب والسنة، بل مقتضى صحة بعث الرسل وإنزال الكتب والوعد والوعيد وخروجها عن اللغوية والعبثية ومقتضى حكم العقل والفطرة بل ضرورة الأديان هي المغايرة بينه تعالى وبين مخلوقاته حقيقة، لا اعتبارا كما لا يخفى.
وقد مر سابقا أن المباينة وعدم السنخية بينه تعالى وبين خلقه من أصول عقائد الإمامية، وأن الدليل العقلي والنقلي من الآيات المتظافرة والأحاديث المتواترة القطعية وردت في نفي السنخية، بل لا يكون معرفة التوحيد الحقيقي إلا بمعنى تنزه وجوده تعالى وتعاليه عن خلقه وتباينهما.
والشرك أيضا لا يكون إلا بمعنى الإعتقاد بالتشابه بين الخالق والمخلوق.
فيا ليت شعري إذا كان الأمر كما يزعمون فمن العابد ومن المعبود، ومن الخالق ومن المخلوق، ومن الآمر ومن المأمور، ومن الناهي ومن المنتهي، ومن الراحم ومن المرحوم..
وقد ذكرت توهماتهم وأجبت عنها بالبراهين العقلية والنقلية في رسالتي في الرد على وحدة الوجود.. فراجعهما إن شئت.
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 183 185 186 187 188 189 192 193 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المدخل 5
2 المقدمة (تعريف الحدوث والقدم) 9
3 المقصد الأول في تحقيق الأقوال 13
4 قول المحدث الجليل الشيخ الكليني 15
5 قول الشيخ الصدوق 16
6 قول الشيخ المفيد 17
7 قول الشيخ أبو الصلاح الحلبي 20
8 قول الشيخ أبو الفتح الكراجكي 21
9 قول شيخ الطائفة الطوسي 23
10 قول الشيخ محمد بن الفتال النيسابوري 24
11 قول الشهرستاني 25
12 قول السيد رضي الدين بن طاووس 26
13 قول المحقق الطوسي 26
14 قول الشيخ أبو إسحاق النوبختي 28
15 قول العلامة الحلي 29
16 قول المقداد بن عبد الله السيوري 31
17 قول العلامة البياضي 32
18 قول المحقق الدواني 32
19 قول المحقق السيد الداماد 33
20 قول الملا صدرا 34
21 قول المحقق الميرزا رفيعا النائيني 38
22 قول المولى محمد صالح المازندراني 38
23 قول القاضي سعيد القمي 39
24 قول العلامة المجلسي 39
25 قول المحقق ملا إسماعيل الخاجوئي 44
26 قول العلامة الفقيه الشيخ جعفر المدعو ب‍: كاشف الغطاء 44
27 قول المحقق الميرزا القمي 45
28 قول الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر 45
29 قول الشيخ الأعظم الأنصاري 46
30 قول المحقق الشيخ محمد تقي الآملي 46
31 قول السيد أحمد الخوانساري 46
32 نتيجة البحث من الأقوال السابقة 47
33 جواز الاستدلال بالأدلة السمعية في المسائل الكلامية 48
34 المقصد الثاني في الأدلة النقلية 55
35 أما الآيات فعلى طوائف 57
36 كلام أهل اللغة في تفسير هذه التعابير القرآنية 59
37 سائر الألفاظ 63
38 الأحاديث الصريحة الدالة على حدوث ما سوى الله تعالى 65
39 ملحوظة (حدوث الإرادة والمشية دليل على حدوث ما سوى الله تعالى) 84
40 تنبيه (هل يصح تأويل هذه النصوص؟!) 98
41 إيضاح بعض الأحاديث المشتبهة 100
42 المقصد الثالث في الأدلة العقلية 111
43 الدليل الأول 113
44 الدليل الثاني 114
45 الدليل الثالث 114
46 تتمة 115
47 الدليل الرابع 117
48 الدليل الخامس 118
49 فائدة جليلة في إرشاد الأدلة الشرعية إلى حدوث العالم 120
50 تتمة (البراهين الأخرى) 130
51 المقصد الرابع وقفة مع بعض الشبهات 131
52 الأولى 133
53 الثانية 136
54 الأدلة النقلية في تنزيه الباري من الزمان 137
55 الوجه الأول (في جواب الشبهة) 143
56 الوجه الثاني 148
57 الوجه الثالث 149
58 الوجه الرابع (وبحث الإرادة في الهامش) 154
59 إيضاح 158
60 وجوه فساد القول بالعلية والمعلولية بين الخالق المخلوق 159
61 الأول (الاخبار الدالة على بطلان القول بصدور الأشياء عن ذاته تعالى أو تجليه تعالى فيها في الهامش) 159
62 الثاني (الاخبار الدالة على بطلان السنخية بينه تعالى وبين خلقه في الهامش) 165
63 الثالث 168
64 الرابع 169
65 الخامس 169
66 السادس 170
67 فاعلية الله تعالى بالقدرة والمشية 170
68 امتناع صدور شئ واحد مركب عن الذات البسيطة (في الاخبار الدالة على أنه لا مجرى سوى الله في الهامش) 171
69 الثالثة 176
70 الأول (في جواب الشبهة) 177
71 الثاني 178
72 الثالث 178
73 الرابع 179
74 الخامس 179
75 حدوث العالم لا ينافي جوده تعالى 179
76 دوافع التجاء الفلاسفة إلى تأويل الأحاديث 181
77 الخاتمة في جملة من المفاسد المترتبة على القول بقدم العلم (في بطلان القول بوحدة الوجود والموجود في الهامش) 183