مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦١ - الصفحة ١٩١
الحزين، لا سيما وإن هذا الاستشهاد رافقه غلظة وفظاعة وقساوة الخصم، فلقد كان شعر الرثاء سابقا ينحصر عند فقدان عزيز، أو يضطر الشاعر أن يسكب دموعه أمام سلطان من أجل الحصول على المال أو الجاه، أو لظروف قبلية أو سياسية أو غيرها.
غير إن الرثاء الحسيني زخر بكل العواطف النبيلة، وغمر بالدمع الساخن والمتفاعل مع مصيبة الطف، ليس لكونها حصلت لذرية الرسول (صلى الله عليه وآله)، بل إنها واقعة كانت تحفل بكل أشكال الإثارة، رسمت من خلالها ملاحم البطولة والفداء والعقيدة والإيثار لتعيد الحياة إلى مهمة الشاعر الأساسية، ألا وهي التفاعل الشعوري الصادق مع حاجات الأمة وثقافتها الأصيلة.
وإضافة إلى ما فرضته واقعة الطف من أمور نفسية وروحية فإن هناك بواعث أخرى تلازمت، منها تشجيع الأئمة (عليهم السلام) على شعر الرثاء لما له من الأجر الكبير في الآخرة، وهذا بحده كاف لإشعال جذوة مشاعر الشعراء الحسينيين.
ومن أوائل شعراء الرثاء التوابون، الذين ندموا على عدم نصرهم الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) وخذلانه، أمثال: عوف بن عبد الله الأحمر الأزدي، وعبيد الله بن الحر الجعفي الكوفي.
ولم يقتصر الرثاء الحسيني على شعراء المسلمين فحسب، بل شمل حتى المسيحيين العرب، الذين تفاعلوا مع هذه الواقعة ورأوا إنها قضية إنسانية تستحق الوقوف عندها وإشباع الحس الشعري من أفانينها، وأصدق مثال على ذلك الشاعر بولس سلامة، الذي كتب قصيدته الملحمية حول أهل البيت (عليهم السلام)، وكان يردد: إني مسيحي ولكن التاريخ مشاع للجميع.
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 187 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست