مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٨ - الصفحة ٢٦١
الإسلامية بصورة عامة، فقد تهاون الصحابة - إلا القليل منهم - في صدر الإسلام في تدوين الأحاديث النبوية، بل قد امتنع بعضهم من ذلك وكرهه ومنع الآخرين بالأساليب المختلفة، لأغراض مذكورة ليس هذا موضع إيرادها.
ثم لما أخذوا بالتدوين خبطوا خبط عشواء، وخلطوا الغث بالسمين، الصحيح بالسقيم وأخذوا من أفواه أناس مشبوهين، وكتبوا عن أفراد كذابين، حتى كثرت الأحاديث المدسوسة والموضوعة على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الأمر الذي اضطر علماء الحديث من أهل السنة إلى وضع كتب تمكنوا فيها من جمع مقدار كبير من تلك الموضوعات، ومن ناحية أخرى ألفوا كتبا أوردوا فيها الأحاديث الصحيحة فحسب، وذلك بحسب اجتهاداتهم وآرائهم في الرجال وغير ذلك.
ولكن الواقع أن أولئك وهؤلاء لم يكونوا موفقين كل التوفيق في عملهم ذاك ولم يكونوا معصومين من الخطأ، بل لم يكن بعضهم مخلصا في قيامه بتلك المهمة، إذا لم تخل الكتب التي وضعوها لجمع (الموضوعات) من الأحاديث الصحيحة، كما لم تسلم الكتب التي سموها ب‍ (الصحاح) من الأحاديث الموضوعة هذا حال الأحاديث لدى أهل السنة باختصار.
وكذا الحال في أحاديث الإمامية، فما أكثر الأحاديث المدسوسة في كتبهم من قبل المخالفين وأصحاب المذاهب والآراء الفاسدة، ولقد كان في زمن كل إمام من الأئمة عليهم الصلاة والسلام من يضع الأحاديث على لسان وينسبها إليه وينشرها بين الشيعة ويضعها في متناول أيدي روايتهم حتى تسربت إلى مجاميعهم الحديثية، فقد قال الإمام الصادق عليه السلام: (إن لكل رجل منا رجل يكذب عليه) (85).
ولذا فإنهم عليهم السلام جعلوا الكتاب والسنة ميزانا لأحاديثهم يعرض عليهما ما روي عنهم فما وافقهما أخذ به، وما خالفهما رد على صاحبه.
فالذي نريد أن نقوله هنا هو: أن احتمال الدس والتزوير يدفع حجية كل خبر ويمنع من الاعتماد عليه ويفسد اعتباره (حتى ما كان منها صحيح الإسناد، فإن صحة السند وعدالة رجال الطريق إنما يدفق تعمدهم الكذب دون دس غيرهم في أصولهم

(85) المعتبر في شرح المختصر للمحقق الحلي.
(٢٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 ... » »»
الفهرست