دفع أباطيل الكاتب - السيد المرتضى المهري - الصفحة ٦
ان موضوعا هاما حيويا كهذا لا يمكن ان يكتفى في بيانه وتشريعه وإقامة المجتمع عليه بجملة مختصرة كهذه بل المفروض ان يكون التركيز عليه أكثر وأكثر وضوحا علما بأنه أسلوب جديد في كيفية تعيين الجهة الحاكمة والقيادة السياسية لم تعهده الجزيرة العربية ولا غيرها آنذاك هذا ولا بد من بيان كيفية تعيين القائد بالمشاورة أيضا والتصريح بان تعيينه لابد ان يستند إلى رأي الأكثرية مثلا فالقرآن الذي يهتم بمسائل المجتمع العادية كدخول الأطفال إلى غرف نوم الآباء والأكل من بيوت الأقرباء كيف لا يهتم بمسألة اجتماعية وخطيرة حيوية كهذه فيكتفي بإشارة عابرة ضمن تسجيل خصائص المؤمنين. هذا مع أنهم في عهد الرسالة كما أشرنا اليه لم يكونوا يعتمدون في تعيين القائد على مشاورة وانتخاب ورجوع إلى آراء الأمة بل كانوا يرون وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وآله فرضا من الله تعالى لابد لهم من الالتزام به كما فرضه الله عليهم شاؤوا أم أبوا.
وقد قال تعالى: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما﴾ (١)، بل هذه سنته تعالى في جميع الرسل كما قال: ﴿وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله...﴾ (2).
ولو كانت الشورى هي أساس تعيين القائد في عهد الرسالة المجيدة فلماذا لم نجد لها اثرا ولا خبرا ولم نسمع بيوم أقيمت فيه الانتخابات العامة ولا منازعا لقيادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله يحاول كسب آراء الأكثرية؟! فهذا دليل واضح مع أنه لا يحتاج إلى دليل لوضوح نفس الموضوع وهو ان الرسول صلى الله عليه وآله تجب اطاعته كما تجب إطاعة الله تعالى وقد امتلأ الكتاب العزيز بالأمر بإطاعته (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) فهل يتوقف وجوب إطاعة الله أيضا على رأي الناس؟! وهل يدعي ذلك من أوتي نصيبا من العقل والادراك؟! فان لم يكن كذلك فكذلك إطاعة الرسول صلى الله عليه وآله لأنها امر من الله تعالى فهي واجبة على كل من يؤمن بالله شاء أم أبى.
ولعل الذي أوقع بعض المتفلسفين في هذا الوهم وهذه الدعوى الفارغة قضية البيعة وقد شوهد بعض الكتاب المسلمين يحاولون تفسير البيعة بجمع الآراء واشتراك الناس في تعيين مصيرهم وانتخاب قائدهم. ولكن البيعة لا تعني ذلك. وانما هي ميثاق يأخذه الرسول أو الامام أو أي قائد شعبي من الناس كي لا يتركوه في حروبه ومجاهداته ويطيعوه في الشؤون الاجتماعية فهو امر لابد منه في جمع القوى المعارضة لنظام متسلط لا ان مشروعية قيام الرسول أو الامام تستمد منه، لقد اشتبه الامر على هؤلاء.
فالبيعة لابد منها في مجال العمل وبدونها لا يمكن إقامة حرب أو معارضة وكلامنا هنا في مشروعية القيادة وانها هل تستمد من البيعة أم من امر الله تعالى؟ فلو كانت البيعة والشورى هي الأساس في تعيين القائد لما

(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»