ففي أقصر عبارة، وأوفاها في الدلالة، جمع الإمام بين الإشارة إلى الماضي والتعريف بالحاضر.
فذكر الحق وترك الأمة له، والباطل والالتزام به.
وذكر بلقاء الله منتهى أمل المؤمنين ورغبهم فيه.
وذكر السعادة، وجعل الحياة مع الظالمين ضدها، وأهم ما في الخطبة التذكير بالتغير الحاصل في الدنيا، وإدبار المعروف؟
ألا يكفي السامع أن يتنبه إلى الفرق بين دنيا يوم عاشوراء، عن الدنيا قبلها، وما هو التغير الحاصل فيها؟ الذي يؤكد عليه الإمام كي يعتبر؟
وأظن أن كل مفردة من المفردات التي أوردها الإمام في خطبته هذه، تكفي لأن يعي السامعون، ويبلغوا الرشد، إن لم تكن على القلوب أقفالها وفي غداة يوم عاشوراء، خطب الإمام أصحابه:
[272] فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: عباد الله، اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد، أو بقي عليها أحد، كانت الأنبياء أحق بالبقاء، وأولى بالرضا، وأرضى بالقضاء.
غير أن الله تعالى خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء، فجديدها بال، ونعيمها مضمحل، وسرورها مكفهر.
والمنزل بلغة، والدار قلعة (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) فهو عليه السلام ذكر الدنيا، وحذر منها، وذكر الأنبياء، ليدل على حضورهم في الأهداف معه.