أضواء على عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦
الرسالة (صلى الله عليه وآله) في تحقيق هذا الأمر وتثبيت أركانه، في وقت شهدت فيه البشرية جمعاء ضياعا ملحوظا في جميع قيمها ومعتقداتها، وخلطا وتزييفا مدروسا في مجمل عقائدها ومرتكزات أفكارها، كرس بالتالي مسارها المبتعد عن الخط السماوي ومناهجه السوية، وأن أي استعراض لمجمل القيم السائدة آنذاك - والتي كانت تؤلف المعيار الأساسي والمفصل المهم الذي تستند إليه مجموع السلوكيات الفردية والجماعية، وتشذب من خلاله - يكشف عن عمق المأساة التي كانت تعيشها تلك الأمم في تلك الأزمنة الغابرة.
فمراكز التشريع الحاكمة آنذاك - والتي تعتبر في تصور العوام وفهمهم مصدر القرار العرفي والشرعي المدير لشؤون الناس والمتحكم بمصائرهم ومسار تفكيرهم - تنحصر في ثلاثة مراكز معلومة أركانها الأساسية: اليهود بما يمتلكونه من طرح عقائدي وفكري يستند إلى ثروات طائلة كبيرة، والصليبيون بما يؤلفونه من قوة مادية ضخمة تمتد مفاصلها ومراكزها إلى أبعد النقاط والحدود، وأصحاب الثروة والجاه من المتنفذين والمتحكمين في مصائر الناس.
ومن هنا فإن كل الضوابط الأخلاقية والمبادئ العرفية والعلاقات الروحية والاجتماعية كانت تخضع لتشذيب تلك المراكز وتوجيهها بما يتلاءم وتوجهاتها التي لا تحدها أي حدود.
إن هذه المراكز الفاسدة كانت تعمل جاهدة لأن تسلخ الإنسان من كيانه العظيم الذي أراده الله تعالى له، ودفعه عن دوره الكبير الذي خلق من أجله عندما قال تعالى للملائكة: {إني جاعل في الأرض خليفة} (1) بل تعمل جاهدة لأن تحجب تماما رؤية هذه الحقيقة العظيمة عن ناظر الإنسان ليبقى دائما بيدقا أعمى تجول به أصابعهم الشيطانية لتنفيذ أفكارهم المنبعثة من شهواتهم المنحرفة.

(٦)
مفاتيح البحث: الشهوة، الإشتهاء (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « 3 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»