هذه الظاهرة في جميع أدوارهم، ولن ينسوها بعد أن اتصلوا بالفلسفة اليونانية والأمم المتحضرة. لم تكن الفلسفة معروفة في صدر الإسلام، ولما عرفها المسلمون فيما بعد انحرفوا بها إلى الدين، وأوضح مثال على ذلك علم الكلام والتوحيد، فإنه فلسفي في صورته ديني في مادته.
وليس من غرضنا الآن أن نترجم لكل إمام من أئمة آل البيت ونبين منزلته من العلوم، وإنما غرضنا الأول أن نقدم صورة لعلومهم على وجه العموم، وخير مثال لذلك علم الإمام علي وحفيده جعفر الصادق. فقد ذاع علمهما وانتشر. وظهر أثره في المؤلفات والمدارس الإسلامية أكثر من علم غيرهما من الأئمة. على أنه إذا استطعنا أن نصور علم هذين العظيمين أمكننا أن ندرك من خلاله مدى علوم سائر الأئمة، لأن كل إمام كان يأخذ العلم عن أبيه إلى أن تنتهي السلسة إلى الرسول الأعظم، كما قال الشيخ أبو زهرة في كتاب الإمام الصادق.
كان الإمام علي بن أبي طالب عالما بأمور الدين والدنيا التي تعرض لها القرآن والسنة، ولم يخف عليه شئ يمت إلى الإسلام بسبب قريب أو بعيد، بل روي عنه أنه قال: " لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم، وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل القرآن بقرآنهم ". وعلمه هذا نتيجة لطول صحبته مع الرسول، فقد ضمه إليه وهو طفل، وبقي في كنفه بعد النبوة، إلى أن لحق النبي بالرفيق الأعلى. وأسلم حيث لا يوجد على وجه الأرض مسلم إلا محمد وزوجته خديجة واهتم النبي بتنشئته وتربيته، واتخذه أمينا لسره، واصطفاه لعلمه، وكان كاتبه وشريكه في نسبه وزوج ابنته، وأبا ريحانتيه الحسن والحسين، وأخاه حين آخى بين المسلمين، وبديله على فراشه حين هم المشركون بقتل من يبيت في الفراش. واستخلفه على ما كان عنده من ودائع لما هاجر من مكة إلى المدينة، كما استخلفه على المدينة يوم سار إلى غزوة تبوك، وقال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى. وولاه القضاء في اليمن، وبلغ عنه سورة " براءة ". وشهد مع النبي مشاهدة كلها. بل كان علي نفس النبي كما نطقت بذلك الآية 61 من سورة آل عمران: " فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم،