أن يمنعه ذلك عن التوبة علما منه أنه لا فائدة فيه، فإن ذلك من غرور الشيطان، ومن أين له هذا العلم، فلعله يموت تائبا قبل أن يعود إلى الذنب.
وأما الخوف من العود، فليتداركه بتجريد القصد وصدق العزم، فإن وفى به فقد نال مطلبه، وإلا فقد غفرت ذنوبه السابقة كلها وتخلص منها، وليس عليه إلا هذا الذنب الذي أحدثه الآن. وهذا من الفوائد العظيمة والأرباح الجسيمة، فلا يمنعك خوف العود من التوبة فإنك من التوبة أبدا بين إحدى الحسنيين: - أحداهما - العظمى: وهي غفران الذنوب السابقة وعدم العود إلى ذنبه في الاستقبال. - وثانيتهما - وهي الصغرى: غفران الذنوب الماضية، وأن لم يمنع العود إلى الذنب في المستقبل. ثم إذا عاد إلى الذنب ينبغي أن يتوب عنه دفعة، ويتبعه بحسنة لتمحوها، فيكون ممن خلط عملا صالحا وآخر سيئا. والحسنات المكفرة للذنوب أما متعلقة بالقلب: وهي الندم، والتضرع إلى الله، والتذلل له، وإضمار الخير للمسلمين، والعزم على الطاعات، أو باللسان: وهي الاعتراف بالظلم والإساءة، وكثرة الاستغفار، أو بالجوارح: وهي أنواع الطاعات والصدقات. وينبغي ملاحظة المناسبة بين السيئة التي صدرت عنه والحسنة التي يتبعها لتمحوها. وفي الخبر: أن الذنب إذا أتبع بثمانية أعمال كان العفو مرجوا: أربعة من أعمال القلوب، وهي: التوبة أو العزم على التوبة، وحب الاقلاع عن الذنب، وتخوف العقاب عليه، ورجاء المغفرة. وأربعة من أعمال الجوارح، وهي: أن تصلي عقب الذنب ركعتين، ثم تستغفر الله تعالى بعدهما سبعين مرة وتقول سبحان الله العظيم وبحمده مائة مرة، ثم تتصدق بصدقة، ثم تصوم يوما. وفي بعض الأخبار: تسبغ الوضوء وتدخل المسجد وتصلي ركعتين، وفي بعضها: تصلي أربع ركعات. ولا تظن أن الاستغفار باللسان بدون حل عقدة الإصرار لا فائدة فيه أصلا، بل هو توبة الكذابين، لما ورد من أن المستغفر من الذنب وهو مصر عليه كالمستهزئ بآيات الله لأن الاستغفار الذي هو توبة الكذابين ولا فائدة فيه أصلا هو الاستغفار بمجرد اللسان وبحكم العادة وعلى سبيل الغفلة، أي ما يكون مجرد حركة