نعمة أخرى من الله يحتاج إلى شكر آخر. وهو أن يعرف أن هذا الشكر أيضا نعمة من الله - سبحانه - فيفرح به ويعمل بمقتضى فرحه. وهذه المعرفة والفرح تحتاج إلى شكر آخر. وهكذا فلا بد من الشكر في كل حال، وليس يمكن أن تنتهي سلسلة الشكر إلى ما لا يحتاج إلى شكر.
فغاية شكر العبد أن يعرف عجزه عن أداء حق شكره - تعالى - إذ عرفان عجزه مسبب عن عرفان جميع النعم، حتى شكره من الله وهذا غاية ما يمكن للعبد. ويشهد بذلك ما روي: (أن الله - عز وجل - أوحى إلى موسى (ع): يا موسى! اشكرني حق شكري. فقال: يا رب! كيف أشكرك حق شكرك وليس من شكر أشكرك به إلا وأنت أنعمت به علي؟ قال:
يا موسى! الآن شكرتني، حيث علمت أن ذلك مني) وكذلك أوحى ذلك إلى داود، فقال: (يا رب! كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكرك إلا بنعمة ثانية من نعمك). وفي لفظ آخر: (وشكري لك نعمة أخرى منك ويوجب علي الشكر لك، فقال: إذا عرفت هذا فقد شكرتني). وفي خبر آخر: (إذا عرفت أن النعم مني، رضيت عنك بذلك شكرا). وروي:
(أن السجاد (ع) كان إذا قرأ هذه الآية (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفة نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها!) كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أن لا يدركه فشكره - تعالى - معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكرا، كما علم علم العارفين بأنهم لا يدركونه، فجعله إيمانا علما منه أنه قد وسع العباد فلا يتجاوز ذلك فإن شيئا من خلقه لا يبلغ مدى عبادته، فكيف يبلغ مدى عبادته من لا مدى له ولا كيف؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقال أبو الحسن (ع): (من حمد الله على النعمة فقد شكره، وكان الحمد لله أفضل من تلك النعمة (8) يعني أنه نعمة فوق تلك النعمة، يستدعي شكرا آخر.