الأولى - أن يحب زوال النعمة عن المحسود وإن لم تنتقل إليه، وهذا أخبث المراتب وأشدها ذما.
الثانية - أن يحب زوالها لرغبته في عينها، كرغبته في دار حسنة معينة، أو امرأة جميلة بعينها، ويحب زوالها من حيث توقف وصوله إليها عليه، لا من حيث تنعم غيره بها. ويدل على تحريم هذه المرتبة وذمها قوله تعالى:
" ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض " (8).
الثالثة - ألا يشتهي عينها، بل يشتهي لنفسه مثلها، إلا أنه إن عجز عن مثلها أحب زوالها عنه، كيلا يظهر التفاوت بينهما، ومع ذلك لو خلي وطبعه، اجتهد وسعى في زوالها.
الرابعة - كالثالثة، إلا أنه إن اقتدر على إزالتها منعه قاهر العقل أو غيره من السعي فيه، ولكنه يهتز ويرتاح به من غير كراهة من نفسه لذلك الارتياح.
والغبطة لها مرتبتان:
الأولى - أن يشتهي الوصول إلى مثل ما للمغبوط، من غير ميل إلى المساواة وكراهة للنقصان، فلا يجب زوالها عنه.
الثانية - أن يشتهي الوصول إليه مع ميله إلى المساواة وكراهته للنقصان، بحيث لو عجز عن نيله، وجد من طبعه حبا خفيا لزوالها عنه، وارتاح من ذلك إدراكا للمساواة ودفعا للنقصان، إلا أنه كان كارها من هذا الحب، ومغضبا على نفسه لذلك الارتياح، وربما سميت هذه المرتبة ب (الحسد المعفو عنه) وكأنه المقصود من قوله (ص): " ثلاث لا ينفك المؤمن عنهن: الحسد، والظن، والطيرة... ثم قال: وله منهن مخرج، إذا حسدت فلا تبغ - أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به، وكن كارها له - وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فأمض ".