كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٣٠٣
هي دار الثواب، فدل على أنها مخلوقة الآن في السماء.
احتج أبو هاشم بقوله تعالى: * (كل شئ هالك إلا وجهه) * (1)، فلو كانت الجنة مخلوقة الآن لوجب هلاكها، والتالي باطل لقوله تعالى: * (أكلها دائم) * (2).
والجواب: دوام الأكل إشارة إلى دوام المأكول بالنوع بمعنى دوام خلق مثله وأكل الجنة يفنى بالأكل إلا أنه تعالى يخلق مثله، والهلاك هو الخروج عن الانتفاع ولا ريب أن مع فناء المكلفين يخرج الجنة عن حد الانتفاع فتبقى هالكة بهذا المعنى (3).

(١) القصص: ٨٨.
(٢) الرعد: ٣٥.
(3) أجاب عن الاستدلال بوجهين:
1 - أن المراد من دوام الأكل هو دوامها بالنوع، فالهلاك يرجع إلى أشخاص المأكولات، والدوام يرجع إلى كل نوع منها، فلا مانع من أن تهلك الأشخاص بأمرين: بالأكل تارة، ونفخ الصور الأول، الذي فيه فناء كل شئ غير وجهه وذاته، أخرى.
2 - أن فناء كل شئ بحسبه، والمراد خروجها عن الانتفاع عند فناء المكلفين.
أقول: إن الإمعان في الآية يعرب عن أن الاستدلال والجواب واقعان في غير محلهما، وإليك تحليل مفاده:
قال سبحانه: * (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * (القصص: 88).
فقوله: * (كل شئ هالك) * تعليل للنهي عن اتخاذ إله غيره سبحانه، والحكم بالهلاك لا يختص بالآخرة، بل هو كذلك في جميع الأزمنة حتى زمن نزول الآية، فغيره سبحانه بما أنه هالك بالفعل لا يليق أن يتخذ إلها، فكل شئ بما أنه منسوب إلى الواجب له حقيقة، ومع قطع النظر عنه فهو هالك وباطل، فلو كان له حقيقة فهي ليست إلا ما أفاض الله عليه، وقد ألهم بهذه الحقيقة شاعر العصر الجاهلي لبيد حيث قال:
ألا كل شئ ما سوى الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل وقد أجاب العلامة الطباطبائي قدس سره عن الاستدلال بوجه آخر وقال: " المراد تبدل نشأ الوجود، والرجوع إلى الله المعبر عنه بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة، والتلبس بالعود بعد البدء، وهذا إنما يكون فيما هو موجود بوجود بدئي دنيوي وأما الدار الآخرة وما هو موجود بوجود أخروي كالجنة والنار فلا يتصف شئ من هذا القبيل بالهلاك بهذا المعنى ". (الميزان: 16 / 95).
(٣٠٣)
مفاتيح البحث: الأكل (4)، الهلاك (4)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 » »»