كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ١٢٤
فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) هذا يدل على الرحمة التامة واللطف العظيم بالعباد وإرادة مصالحهم والشفقة عليهم من الله تعالى وأمر النبي صلى الله عليه وآله بمثل ذلك، ولا شئ من الشفقة والرحمة كنصب الإمام المعصوم المقرب إلى الطاعات يقينا والمبعد عن المعاصي جزما، وبه يحصل النعيم المؤبد والخلاص من العذاب السرمد فهل يجوز من مصدر هذه الرحمة والشفقة إهماله وعدم نصبه، وهل يجوز من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمره بمثل هذه الشفقة التامة والرحمة العامة عدم الوصية وعدم نصب المعصوم وإهمال هذا مع هذه الرحمة والشفقة مما لا يجتمعان.
والثاني: ثابت فينتفي الأول لا يقال هذا من باب الخطأ بيات والمسألة علمية برهانية لأنها أهم المصالح وبها يتم نظام العالم، لأنا نقول: بل هي برهانية من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فإن اللين لهم والاستغفار والعفو عنهم واستعمال التواضع والأخلاق الحميدة معهم ليس في اللطف المقرب والمبعد كالمعصوم فإن المعصوم أصل وهذا زيادة وفضل يستحيل من الحكيم قصد اللطف، وأن يأتي بما هو مهم في هذا المعنى ويخل بالأصل بل هذا الخطاب الإلهي برهان لمي وبرهان أني (1) لأن إثبات الرحمة التامة والفضل العظيم وإرادة المنافع علة في نصب الإمام المعصوم الذي قد بينا وجوبه ولأنه أثبت أحد معلولي الرحمة والشفقة وإرادة التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية، فثبت الآخر الذي هو نصب الإمام المعصوم الذي لا يتم فائدة ذلك إلا به، لا يقال: فرق بين الحسن والقبيح فإن فاعل الحسن لحسنه لا يلزم منه أن يأتي بكل حسن وتارك القبيح لقبحه يلزم منه ترك كل قبح فإن أكل الرمان لحموضته لا يلزم منه أكل كل حامض بخلاف تاركه لحموضته بل قد وقع في الثاني نزاع بين المتكلمين ولهذا اختلفوا في صحة التوبة عن قبيح

(1) البرهان اللمي ما كان الانتقال فيه من المعلول إلى العلة والأني ما كان الانتقال فيه من العلة إلى المعلول، والخطاب الإلهي هاهنا جمعهما معا من ثم أفاض طاب ثراه في بيان ذلك من الأمرين.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»
الفهرست