الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٤ - الصفحة ١٣٣
على نفسي (1) وأملت إنابته ورجوعه، فوالله ما فعل حتى فغر بها بشما (2)، فقال له المغيرة بن شعبة: فما منعك منها وقد عرضها عليك يوم السقيفة بدعائك إليها؟ ثم أنت الآن تنقم بالتأسف عليه! فقال له:
ثكلتك أمك يا مغيرة إن كنت لأعدك من دهاة العرب كأنك كنت غائبا عما هناك، إن الرجل كادني فكدته، وماكرني فماكرته، وألفاني أحذر من قطاة، إنه، لما رأى شغف الناس به، وإقبالهم بوجوههم عليه أيقن أن لا يريدوا به بدلا فأحب لما رأى من حرص الناس عليه، وشغفهم به، أن يعلم ما عندي، وهل تنازع إليها نفسي، وأحب أن يبلوني (3) بأطماعي فيها، والتعريض لي بها، وقد علم وعلمت لو قبلت ما عرض علي منها لم يجبه الناس إلى ذلك، فألقاني قائما على أخمصي متشوزا (4) حذرا ولو أجبته إلى قبولها لم يسلم الناس إلى ذلك واختبأها ضغنا علي في قلبه، ولم آمن غائلته (5) ولو بعد حين مع ما بدا لي من كراهية الناس، أما سمعت نداءهم من كل ناحية عند عرضها علي لا نريد سواك يا أبا بكر أنت لها، فرددتها عليه فعند ذلك رأيته وقد التمع وجهه لذلك سرورا، ولقد عاتبني مرة على شئ بلغه عني، وذلك لما قدم بالأشعث بن قيس أسيرا فمن عليه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة (6) فقلت للأشعث

(1) والتلهف فلم تجبني نفسي، خ. ل.
(2) فغر: فتح فاه، وفي رواية ابن أبي الحديد " نغر " أي امتلأ، والبشم:
التخمة.
(3) يبلوني: يختبرني.
(4) مستوشز: " مستوفزا " والمستوفز من قعد منتصبا غير مطمئن، عند ابن أبي الحديد.
(5) الغائلة والمغالة: الشر والداهية.
(6) وذلك أن الأشعث بن قيس ارتد مع من ارتد من بني وليعة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وتوجوه عليهم ملكا كما يتوج الملك من قحطان واجتمعوا حوله وأظهروا الشماتة بوفاة رسول الله صلى الله علي وآله وسلم، وخضبوا الأيدي وضربت بغاياهم بالدفوف، وتوجهت إليهم جيوش المسلمين بقيادة زياد بن لبيد البياضي والي حضرموت وأعانه المهاجر بن أبي أمية والي صنعاء فانهزم الأشعث، وفر أصحابه، ولجأوا إلى الحصن المعروف النجير، فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا فنزل الأشعث ليلا وكلم زيادا والمهاجر وسألهما الأمان لنفسه وعشر من أهل بيته حتى يقدموا بهم على أبي بكر فيرى فيهم رأيه على أن يفتح لهم باب الحصن وتسلم إليهم من فيه فأمناه وأمضيا شرطه ففتح لهم الحصن، واستنزلوا من فيه، وأخذوا أسلحتهم ثم قتلوا منهم ثمانمائة وحملوا الأشعث وأهل بيته إلى المدينة فعفا أبو بكر عنه وعن هم وزوجه أخته أم فروة فكان الأشعث يسمى بعد ذلك عرف النار، قال الطبري في التاريخ 3 / 275: " وكان الأشعث يلعنه المسلمون ويلعنه الكافرون وسماه قومه عرف النار، كلام يماني يسمون به الغادر عنهم.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»