مجمع البحرين - الشيخ الطريحي - ج ١ - الصفحة ٢٨٦
قال بعض المتبحرين: هذا الحديث وإن كان واضح المعنى لا يكاد يخفى على البليد فنقول: المثل عبارة عن المشابهة بغيره في معنى من المعاني وانه لادناء المتوهم من المشاهد، وكأنه صلى الله عليه وآله يخاطب بذلك العرب ويحاورهم، ولم يكن ليأتي في الأمثال بما لم يشاهدوه بل يأتيهم بما شاهدوه ولما فيه من كشف الغطاء ورفع الحجاب ولم يوجد فيما أخرجت الأرض من بركات السماء - لا سيما من الثمار الشجرية التي أنستها العرب ببلادهم - أبلغ في هذا المعنى من الأترجة، بل هي من أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان، واجدا لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها، فمن ذلك كبر حجمها بحيث لا يعرف في الثمار الشجرية التي أنستها العرب أكبر منها، ومنها حسن المنظر وطيب المطعم، تفعم الخياشيم طيبا وتأخذ الابصار صبغة ولونا، فاقع لونها تسر الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول، يفيد أكلها بعد الالتذاذ بذواقها، طيب نكهته ودباغ معدة وقوة هضم، اشتركت بها الحواس الأربعة البصر والذوق والشم واللمس، لأنها تملا الكف بكبر حجمها، وهذه هي الغاية القصوى في انتهاء الثمرات إليها، إذ ليس فيها ما يزيد عليها. ثم إنها في إجزائها تنقسم على طبائع قلما ينقسم غيرها فقشرها حار يابس، ولحمها رطب وقيل بارد، وحماضها بارد يابس، وبزرها حار مجفف. وتدخل هذه الاجزاء الأربعة في الأدوية الصالحة للأدواء المزمنة والأوجاع المقلقة والأمراض المردية كالفالج واللقوة والبرص واليرقان واسترخاء العصب والبواسير والشربة من بزره تقاوم السموم كلها، وقشره مسمن، وعصارة قشره ينفع من شرب الأفاعي شربا، وجرمه ضمادا، ورائحته تصلح فساد الهواء والوباء. فأية ثمرة تبلغ هذا المبلغ في كمال الخلقة.
وعموم المنفعة وكثرة الخواص.
ثم نقول: إن الشارع عليه السلام ضرب المثل بما تنتبه الأرض وتخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الاعمال لأنها من ثمرات النفوس، والمثل وإن ضرب للمؤمن وحده فإن العبرة فيه بالعمل الذي يصدر منه، لان الاعمال هي الكاشفة
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب الف 21
2 باب ب 145
3 باب ت 278
4 باب ث 305
5 باب ج 337
6 باب ح 438
7 باب خ 614