لسان العرب - ابن منظور - ج ١٥ - الصفحة ٤٣٣
الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم لك المعتدي، فإن ذلك لا يعتد بتركه الحمد لموضع العداوة، وكذلك الظالم لا حجة له وقد سمي ظالما، قال أبو منصور: وهذا صحيح، والذي ذهب إليه الزجاج فقال بعدما ذكر قول أبي عبيدة والأخفش: القول عندي في هذا واضح، المعنى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا من ظلم باحتجاجه فيما قد وضح له، كما تقول ما لك علي حجة إلا الطلم وإلا أن تظلمني، المعنى ما لك علي حجة البتة ولكنك تظلمني، وما لك علي حجة إلا ظلمي، وإنما سمى ظلمه هنا حجة لأن المحتج به سماه حجة، وحجته داحضة عند الله، قال الله تعالى: حجتهم داحضة عند ربهم، فقد سميت حجة إلا أنها حجة مبطل، فليست بحجة موجبة حقا، قال: وهذا بيان شاف إن شاء الله تعالى. وأما قوله تعالى: لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى، وكذلك قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، أراد سوى ما قد سلف.
وأما قوله تعالى: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، فمعناه فهلا كانت قرية أي أهل قرية آمنوا، والمعنى معنى النفي أي فما كانت قرية آمنوا عند نزول العذاب بهم فنفعها إيمانها، ثم قال: إلا قوم يونس، استثناء ليس من الأول كأنه قال: لكن قوم يونس لما آمنوا انقطعوا من سائر الأمم الذين لم ينفعهم إيمانهم عند نزول العذاب بهم، ومثله قول النابغة:
عيت جوابا، وما بالربع من أحد إلا أواري لأيا ما أبينها (* قوله عيت جوابا إلخ هو عجز بيت صدره: وقفت فيها أصيلانا أسائلها. وقوله: إلا الأواري إلخ هو صدر بيت عجزه: والنؤي كالحوض في المظلومة الجلد.) فنصب أواري على الانقطاع من الأول، قال: وهذا قول الفراء وغيره من حذاق النحويين، قال: وأجازوا الرفع في مثل هذا، وإن كان المستثنى ليس من الأول وكان أوله منفيا يجعلونه كالبدل، ومن ذلك قول الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس ليست اليعافير والعيس من الأنيس فرفعها، ووجه الكلام فيها النصب. قال ابن سلام: سألت سيبويه عن قوله تعالى: فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، على أي شئ نصب؟ قال إذا كان معنى قوله إلا لكن نصب، قال الفراء: نصب إلا قوم يونس لأنهم منقطعون مما قبل إذ لم يكونوا من جنسه ولا من شكله، كأن قوم يونس منقطعون من قوم غيره من الأنبياء، قال: وأما إلا بمعنى لما فمثل قول الله عز وجل: إن كلل إلا كذب الرسل، وهي في قراءة عبد الله إن كلهم لما كذب الرسل، وتقول: أسألك بالله إلا أعطيتني ولما أعطيتني بمعنى واحد. وقال أبو العباس ثعلب: وحرف من الاستثناء ترفع به العرب وتنصب لغتان فصيحتان، وهو قولك أتاني إخوتك إلا أن يكون زيدا وزيد، فمن نصب أراد إلا أن يكون الأمر زيدا، ومن رفع به جعل كان ههنا تامة مكتفية عن الخبر باسمها، كما تقول كان الأمر، كانت القصة. وسئل أبو العباس عن حقيقة الاستثناء إذا وقع بإلا مكررا مرتين أو ثلاثا أو أربعا فقال:
الأول حط، والثاني زيادة، والثالث حط، والرابع زيادة، إلا أن تجعل بعض إلا إذا جزت الأول بمعنى الأول فيكون ذلك الاستثناء زيادة لا غير، قال: وأما قول أبي عبيدة في إلا الأولى إنها تكون بمعنى الواو فهو خطا عند الحذاق. وفي حديث أنس، رضي الله عنه: أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال
(٤٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 438 ... » »»
الفهرست