مع المصطفى - الدكتورة بنت الشاطئ - الصفحة ١٢٢
وأقاموا على ذلك الحلف المشئوم زمنا، سنتين أو ثلاثا، لقي فيها المسلمون والهاشميون من جهد الحصار ما لا يحتمل، وحيل بينهم، وقد انحازوا إلى شعب أبي طالب، وبين الطعام والشراب يشترونه من التجار الوافدين على أسواق مكة، وقد يأتي أحد المنحازين إلى الشعب سوق مكة يلتمس قوتا يشتريه لعياله، فيقوم أبو لهب ويصيح بالتجار:
(غالوا على أصحاب محمد حتى لا يدركوا معكم شيئا، وقد علمتم مالي ووفاء ذمتي).
فيزيد التجار ثمن السلعة أضعافا مضاعفة، ويرجع أصحاب محمد إلى صبيتهم بالشعب وليس في أيديهم طعام، ويرجع التجار إلى أبي لهب فيفيهم ثمن ما غالوا فيه على المحاصرين فلم يدركوه.
وبلغ منهم الجوع وجهد الحصار مبلغا يصوره قول (سعد بن أبي وقاص) بعد محنة الحصار بسنين:
(لقد جعت حتى إني وطئت ذات ليلة على شئ رطب فوضعته في فمي وبلعته، وما أدري ما هو حتى الآن). وكانت التمرة الواحدة ربما وقعت لاثنين منهم يقتسمانها فيكون أحسنهما حظا من وقعت نواة التمرة في قسمه، يلوكها بقية يومه!
وإنما كان طعامهم الخبط وورق السمر، وما قد يأتيهم به سرا بعض ذوي رحمهم، بدافع من المروءة والنجدة، مستخفيا به من طواغيت قريش الساهرين على إحكام الحصار وإنفاذ وثيقة المقاطعة.
نقل ابن هشام في (السيرة النبوية) والطبري في (تاريخه) أن أبا
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست