رأس الحسين (ع) - ابن تيمية - الصفحة ٢٠٠
بأن لا يذهب إليهم. وبذلك كان قد وصاه أخوه الحسين (1): واتفقت كلمتهم على أن هذا لا مصلحة فيه، وأن هؤلاء يكذبونه ويخذلونه، إذ هم أسرع الناس إلى فتنة، وأعجزهم فيها، وأن أباه كان أفضل منه وأطوع في الناس، وجمهور الناس معه. ومع هذا فكان فيهم من الخلاف عليه والخذلان له ما الله به عليم. حتى صار يطلب السلم بعد أن كان يدعو إلى الحرب. وما مات إلا وقد كرهم كراهة الله بها عظيم. وقد دعا عليهم وتبرم بهم.
* فلما ذهب الحسين رضي الله عنه، وأرسل ابن عمه عقيل (2) إليهم، وتابعه طائفة. ثم لما قدم عبيد الله بن زياد الكوفة، قاموا مع ابن زياد، وقتل عقيل وغير هما. فبلغ الحسين ذلك، فأراد الرجوع، فوافه سرية عمر بن سعد، وطلبوا منه أن يستأسر لهم، فأبى، وطلب أن يردوه إلى يزيد بن عمه، حتى يضع يده في يده، أو يرجع من حيث جاء، أو يلحق ببعض الثغور، فامتنعوا من إجابته إلى ذلك، بغيا وظلما وعدوانا. وكان من أشدهم تحريضا عليه: شمر بن الجوشن (3). ولحق بالحسين طائفة منهم، ووقع القتل حتى أكرم الله الحسين ومن أكرمه من أهل بيته بالشهادة، رضي الله عنهم وأرضاهم. وأهان بالبغي والظلم والعدوان من أهانه بما انتهكه من حرمتهم، واستحله من دمائهم * (ومن يهن الله فما له من مكرم، إن الله يفعل ما يشاء) * (4) وكان ذلك من نعمة الله على الحسين، وكرامته له، لينال منازل الشهداء، حيث لم يحصل له من أول الإسلام من الابتلاء والامتحان ما حصل لسائر أهل بيته، كجده (ص)، وأبيه وعمه، وعم أبيه رضي الله عنهم. فإن بني هاشم أفضل القريش، وقريشا أفضل العرب والعرب أفضل بني آدم، كما صح ذلك عن النبي (ص)، قوله في الحديث الصحيح: (إن الله اصطفى

(1) كذا بالأصل والأصل (الحسن) (2) مسلم بن عقيل: وهو رسول الحسين إلى عبيد الله بن زياد وقتله ابن زياد وكان أول رسول مبعوث يقتل في الإسلام.
(3) وشمر بن ذي الجوشن كان أبرص قبحه الله ولعنه، وكان معروفا بشدة عدائه وسخيمته على أهل البيت.
(4) الحج (22 / 18)
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»
الفهرست