وكيف يكون التحكيم منه (ع) دالا على الشك، وهو (ع) ناه عنه وغير راض به ومصرح بما فيه من الخديعة؟ وانما يدل على شك من حمله عليه وقاده إليه، وانما يقال إن التحكيم يدل على الشك إذا كنا لا نعرف سببه والحامل عليه، أو كان لا وجه له إلا ما يقتضي الشك. فأما إذا كنا قد عرفنا ما اقتضاه وادخل فيه، وعلمنا انه (ع) ما أجاب عليه إلا لدفع الضرر العظيم، ولان تزول الشبهة عن قلب من ظن به (ع) أنه لا يرضى بالكتاب ولا يجيب إلى تحكيمه، فلا وجه لما ذكروه. وقد أجاب (ع) عن هذه الشبهة بعينها في مناظرتهم لما قالوا له: اشككت؟ فقال عليه السلام: أنا أولى بأن لا أشك في ديني أم النبي صلى الله عليه وآله؟ أو ما قال الله تعالى لرسوله: ﴿قل فأتوا بكتاب من عند الله هو اهدى منهما أتبعه ان كنتم صادقين﴾ (1).
واما قول السائل، فإنه (ع) تعرض لخلع إمامته ومكن الفاسقين من أن يحكما عليه بالباطل، فمعاذ الله ان يكون كذلك، لأنا قد بينا انه (ع) انما حكمهما بشرط لو وفيا به وعملا عليه، لاقرا إمامته وأوجبا طاعته، لكنهما عدلا عنه فبطل حكمهما، فما مكنهما من خلع إمامته ولا تعرض منهما لذلك. ونحن نعلم أن من قلد حاكما أو ولى أميرا ليحكم بالحق ويعمل بالواجب فعدل عما شرط عليه وخالفه، لا يسوغ القول بأن من ولاه عرضه لباطل ومكنه من العدول عن الواجب، ولم يلحقه شئ من اللوم بذلك، بل كان اللوم عائدا على من خالف ما شرط عليه.
فأما تأخيره جهاد الظالمين وتأجيل ما يأتي من استيصالهم، فقد بينا العذر فيه، وان أصحابه (ع) تخاذلوا وتواكلوا واختلفوا، وان الحرب بلا أنصار وبغير أعوان لا يمكن. والمتعرض لها مغرر بنفسه وأصحابه.