تنزيه الأنبياء - الشريف المرتضى - الصفحة ١٦٣
ويمكن إذا أردنا نصرة هذا الجواب ان نجعل الذنوب كلها لامته صلى الله عليه وآله، ويكون ذكر التقدم والتأخر انما أراد به ما تقدم زمانه وما تأخر، كما يقول القائل مؤكدا: " قد غفرت لك ما قدمت وما أخرت وصفحت عن السالف والآنف من ذنوبك ". ولاضافه ذنوب أمته إليه وجه في الاستعمال معروف لان القائل قد يقول لمن حضره من بني تميم أو غيرهم من القبائل أنتم فعلتم كذا وكذا وقلتم فلانا وإن كان الحاضرون ما شهدوا ذلك ولا فعلوه وحسنت الإضافة للاتصال والتسبب ولا سبب اوكد مما بين الرسول صلى الله عليه وآله وأمته فقد يجوز توسعا وتجوزا ان تضاف ذنوبهم إليه (ومنها) انه سمى ترك الندب ذنبا وحسن ذلك لأنه صلى الله عليه وآله ممن لا يخالف الأوامر الا هذا الضرب من الخلاف ولعظم منزلته وقدره فجاز ان يسمي بالذنب منه ما إذا وقع من غيره لم يسم ذنبا وهذا الوجه يضعفه على بعد هذه التسمية انه لا يكون معنى لقوله انني اغفر ذنبك ولا وجه في معنى الغفران يليق بالعدول عن الندب (عن الذنب).
ومنها: ان القول خرج مخرج التعظيم وحسن الخطاب كما قلناه في قوله تعالى: (عفا الله عنك لم أذنت لهم). وهذا ليس بشئ لان العادة قد جرت فيما يخرج هذا المخرج من الألفاظ أن يجري مجرى الدعاء، مثل قولهم: غفر الله لك، وليغفر الله لك، وما أشبه ذلك. ولفظ الآية بخلاف هذا لان المغفرة جرت فيها مجرى الجزاء والغرض في الفتح. وقد كنا ذكرنا في هذه الآية وجها اخترناه وهو أشبه بالظاهر مما تقدم، وهو أن يكون المراد بقوله ما تقدم من ذنبك الذنوب إليك، لان الذنب مصدر والمصدر يجوز إضافته إلى الفاعل والمفعول معا، ألا ترى أنهم يقولون: أعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى الفاعل، وأعجبني ضرب زيد عمرا إذا أضافوه إلى المفعول. ومعنى المغفرة على هذا التأويل هي الإزالة والفسخ والنسخ لاحكام
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست