الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ١٦١
فلو أن للشكر شخصا يرى * إذا ما تأمله الناظر لمثلته لك حتى تراه * فتعلم أني امرؤ شاكر قال عمرو بن مسعدة: ثم قال لي هارون: ويحك، لما أبطأت حلفت بالمشي إلى الكعبة أن ينالك مني يوم سوء، ولا والله ما هذا جزاؤك لدي فما الرأي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنت أعلى عينا، وأولى من بر يمينه. فقال: والله ما أريد ذلك. قلت: فليكفر أمير المؤمنين عن يمينه، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: من حلف على يمين فرأى خيرا منها فليكفر، وليأت الذي هو خير: فقال: ويحك: إن العلماء لم يروا الكفارة في هذا، وإنما تأولوا قوله عليه الصلاة والسلام في الإيمان بالله تعالى، وقد أجمعت على المشي، والمضي إلى الكعبة راجلا. فقلت: أنى لك بذلك؟ وكيف تصل راجلا؟ قال: لا بد من ذلك. فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، فأمهل عامك هذا حتى أسهل لك طريقا، وأحدد لك مراحل، وأوقت لك مواقيت يسهل عليك ذلك إن شاء الله. قال: ذلك لك. فأمر عمرو بالأنهار فعرجت عن مسيلها، وبالآكام والجبال فسويت، وبالخنادق والأودية فردمت، حتى صار ما بينه وبين مكة كالراحة الموزونة، وصارت الأنهار والأودية تسايره على طريقه، ثم صنع له مراحل، قد حدد له عند كل مرحلة حدا، وابتنى في كل مرحلة دارا، وكانت المرحلة بريدا، قدرها اثنا عشر ميلا، ثم أمر بالمراحل ففرشت بالبسط الرهاوية (1)، ونصب له جدارا بالستور، وسمكها بأكسية الخز الرفيع الملون، وقد ضرب عند كل فرسخ قبة مزوقة، قد أقام فيها الفرش الممهدة، وقد أحاط بها الظلال الممدودة بالرواقات الكثيفة، فيها أنواع الطعام والشراب وألوان الفواكه: فلما تم صنعه ذلك: وأبرم أمره. قال: يا أمير المؤمنين، قد تم ما أردته، وكمل ما حاولته، فانهض على اسم الله العظيم، وكانت زبيدة زوجته التي أغرته عليه، وحملته على اليمين لمعاقبته، فخرج الرشيد ماشيا، ومعه دابته وزبيدة، فكانت المرحلة تفرش، والستور تنصب، والسمك ترفع، فيمشي ثلاثة أميال، ثم ينزل في قبة أمامها رواق (2)، فينال راحته، ويصيب ما اشتهى من لذة في مأكل ومشرب، ثم ينهض ثلاثة أخرى، فينزل على مثل ذلك، فإذا استكمل مشى أربعة فراسخ، نزل في قصر قد شيد له، ودار قد بنيت، فيها حمام طيب، ينال فيها راحته مع أهله، ويصيب لذته مما شاء وكيف شاء، ثم يكسر (3) فيه يوما، ثم يخرج

(1) البسط الرهاوية: نسبة إلى إقليم الرها وهو مشهور بجودة البسط.
(2) الرواق: السرادق أو الحوش المغطى بكساء.
(3) يكسر فيه يوما: يحتجب فيه ويقيم.
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175